إضراب الأسرى والتوقيت غير المناسب

 

بقلم/عبد الناصر فروانة

14-12-2014

 

أعلن عصر يوم الثلاثاء الماضي سبعون أسيراً فلسطينيا، يرزحون في سجون الاحتلال الإسرائيلي (النقب، رامون، نفحة، إيشل)، إضرابهم المفتوح عن الطعام، احتجاجاً على مصادرة حق الزيارات، واستمرار سياسة العزل الانفرادي التي تتبعها إدارة السجون الإسرائيلية، وتضامنا مع ثمانية وثلاثين أسيرا فلسطينياً يقبعون في زنازين العزل الانفرادي، وموزعين على عدة سجون.

وهم بذلك يترجمون قناعاتهم، في مقاومة الاحتلال خلف قضبان السجون، ويمارسون حقهم المكفول والمشروع في مواجهة الظروف القهرية والبائسة، وفي التصدي للسجان ومعاملته القاسية، بجوعهم وعطشهم وبأمعائهم وبطونهم الخاوية، مع إدراكهم العميق بأنه الخيار الأصعب والأكثر ألماً، ولكن أين المناص....

 

ولم يكن خيار الإضراب عن الطعام بالنسبة للأسرى، مجرد ترف نضالي أو تسجيل موقف هنا أو نقاط هناك، كما لم يكن مجرد خطوة نحو تحسين أوضاع بائسة وانتزاع حقوق ضائعة أو مصادرة من قبل الآخر، وإنما كان اضراب الأسرى عن الطعام، تعبيراً عن قيم وأخلاق المقاومة المشروعة وحقهم في الوجود والتنظيم والذود عن كرامتهم وانسانيتهم، ومن أجل الدفاع عن حقوقهم المكتسبة، وانتزاع الحقوق المسلوبة الخاصة بالفرد أو الجماعة.

ومنذ السنوات الأولى التي أعقبت احتلال اسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية في حزيران عام 1967، ومن ثم إخضاع سكانها لاحتلالٍ سياسي وعسكري، وزج الآلاف منهم في سجونها ومعتقلاتها، اتخذ المعتقلون الفلسطينيون والعرب من الاضراب عن الطعام وسيلة لانتزاع حقوقهم، وخاضوا خلال العقود الماضية عشرات الإضرابات عن الطعام، بأنواعها ومسمياتها المختلفة واشكالها المتعددة.

 

ولما كان اتخاذ قرار الإضراب عن الطعام، هو الخيار الأقسى والأصعب والأكثر ألما، فإن التحضير له كان يستغرق وقتا وجهدا كبيرين، ولم يكن يوماً بالأمر السهل أو الهين، وقبل الشروع بالإضراب عن الطعام تحرص قيادة الحركة الوطنية الأسيرة على ضرورة ضمان توفر عوامل نجاح الإضراب وتحقيق الحد الأدنى من المطالب المعلنة.

ولعل الظروف المحيطة، داخل وخارج السجون، كانت تلعب دورا مهما في التأثير على الإضراب من عدة جوانب، كما وأن عوامل أخرى كان تتدخل في تحديد توقيت الإضراب ونقطة الانطلاق، فيما كان عامل وحدة الصف الوطني، والموقف الموحد والثابت من قبل كافة أطراف الحركة الأسيرة، هو العامل الحاسم في اتخاذ القرار. فبوحدتهم ووحدة هدفهم انتزع الأسرى الكثير من حقوقهم وأحدثوا تغييرا جوهريا في طبيعة وشكل الحياة داخل سجون الاحتلال .

 

بمعنى أن ثقافة الجماعة والجماعية في مواجهة إدارة السجون كانت هي السائدة، وأن لا مكانة للفردية أو الحزبية في اتخاذ قرار المواجهة، بل وحذرت الحركة الأسيرة مرارا من خطورة التفرد واللجوء للخطوات النضالية ذات الطابع الفردي أو الحزبي على واقعها ومستقبلها.

 

وفي السنوات الثلاثة الأخيرة ظهرت وبشكل جلي ظاهرة الإضرابات الفردية والحزبية، بعد أن أُجبِر البعض على خوضها، في ظل تراجع الموقف الموحد بين الأسرى، وهي نمط جديد ومختلف من المواجهة ، نمط يعتبر دخيل على عادات وتقاليد وثقافة الحركة الأسيرة، نمط يُغَّيب ثقافة الـ "نحن" ويعزز "الأنا" في مواجهة السجان، ويستبدل ثقافة الجماعية التي كانت سائدة طوال العقود الماضية ومن خلالها تحققت الكثير من الإنجازات.

 

ومع تفهمنا الكبير لدوافعها، وتقديرنا العالي لما تحقق بفعلها من انتصارات، إلا أننا سجلنا في مناسبات سابقة خشيتنا من عشوائيتها، وعفويتها، وحذرنا مرارا من الاستنساخ الخاطئ لها، مما أدى الى إضعافها، ورفع سقف مدة الإضراب، وتشتت الجهود المبذولة، وأن استمرارها بهذا الشكل قد يؤدي الى اضعافها أكثر، ويضعف العمل المساند لها، ويطيل من فترة ايام الإضراب والمعاناة أكثر فأكثر.

 

ومن هنا فإن إعلان بضع عشرات من الأسرى الإضراب عن الطعام يوم الثلاثاء الماضي (9-12) يندرج في هذا السياق، الأمر الذي يستدعي وقفة تقييمية شاملة قبل فوات الآوان، وبرأيي المتواضع فإن خطوة الإضراب عن الطعام هذه، هي خطوة في التوقيت غير المناسب، وهذا لا يعني إسقاط أو نفي حقهم في الاضراب وفي مقاومة السجان، بل هذا واجبهم وواجبهم علينا أن ندعمهم ونساندهم.

 

ولكن ومن منطلق الواقع السائد فإن كافة عوامل نجاح الإضراب هي مفقودة، وغير متوفر منها سوى إرادة هؤلاء الأبطال وإصرارهم على مواجهة السجان، وهذا وحده غير كافي للسير نحو تحقيق الانتصار المأمول.

 

مع التأكيد وبشكل جازم أن هذا لا يعني بالمطلق التخلي عن خيار المقاومة ومواجهة السجان، أو الاستسلام للأمر الواقع والمرير، وانما الأمر يتطلب البحث وبعقل جماعي عن آليات جماعية لمواجهة اجراءات السجان وتعسفه. على قاعدة أن المقاومة حق ولكن لا يحق لأي فصيل أو جماعة داخل السجون أن تقرر بمفردها مواجهة السجان، كما لا يحق لأي فصيل فلسطيني خارج السجون التفرد في اتخاذ قرار الحرب ضد الاحتلال، واذا كان لا بد من مواجهة السجان داخل السجون أو اعلان الحرب ضد الاحتلال خارج السجون، فلا بد من وحدة الموقف الفلسطيني واتخاذ القرار بشكل جماعي ووطني إذا أردنا أن نحقق النصر المأمول. مع التأكيد على أن حق مقاومة السجان والاحتلال هو حق مشروع ومكفول.

 

وهنا أدعو اخواني الأسرى لعدم توسيع الإضراب في الوقت الحالي، كما وأدعو اخواني المضربين، الى التعامل بمسؤولية عالية مع كل ما يقدم لهم من عروض من قبل ادارة السجون واقتناص اية فرصة لإنهاء الاضراب وفقا لما تقتضيه المصلحة العامة.

 

 وبعد ذلك يتم البدء بحوار وطني شامل وجدي، داخل وخارج السجون، بنوايا صادقة وعقول مفتوحة، وبجهود خالصة وأيدي ممدودة، حول طبيعة المرحلة وما آلت إليه الأمور، ولملمة الجهود وتوحيد الصفوف والمواقف على قاعدة وحدة المصير والحق في مقاومة الاحتلال داخل السجون ذودا عن الحقوق الاساسية وكرامة الأسير الفلسطيني، ونحو التوصل الى آليات وأدوات لمواجهة السجان متفق عليها وعلى مضمونها وشكلها وتوقيتها. وان لم تكن خطوات جماعية، فمن الضروري أن تحظى من البداية على توافق ودعم جماعي، وأن تسير تدريجيا في اطار اتفاق وطني نحو الوصول للجماعية. 

 

في الختام أدرك بأن رأيي هذا مؤلم وقد يكون غير مقبول لدى البعض، وربما يدفع البعض للمزاودة، ولكن لا بأس، فحرية الرأي مكفولة، والجرأة في بعض الأوقات مطلوبة، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لكن الحقيقة المرة التي يجب أن نسمعها ونفهمها بعيدا عن العواطف الضريرة هي أن انكسار أي إضراب فردي أو مجموعاتي أو حتى جماعي سيؤثر سلبا على مجمل أوضاع الاسرى وفي كافة السجون، بل وسيطال تأثيره السلبي الكثير مما تحقق بالماضي بفعل تضحيات ودماء ومعاناة أجيال وأجيال من الأسرى والمعتقلين.

 

ومع ذلك سنبقى ملزمين بدعم المضربين عن الطعام وإسنادهم حتى لو بقي فقط أسير واحد منهم مضرب عن الطعام، انطلاقاً من واجبنا الوطني والإسلامي والأخلاقي تجاههم، ولا يمكن أن نتنصل منه أو نتخلى عنه، بأي حال من الأحوال، فقضية الأسرى هي قضيتنا، ومعركتهم هي معركتنا جميعا ونصرهم هو نصر لنا.

 

عبد الناصر فروانة
أسير محرر ، و مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بهيئة شؤون الأسرى والمحررين
عضو اللجنة المكلفة بادارة مكتبها بقطاع غزة
0599361110
0598937083
Ferwana2@gmail.com
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
www.palestinebehindbars.org

 

 موضوعات أخرى ذات علاقة بالإضرابات

 

- فروانة : الاضراب أحدث حراكاً وحقق انفراجاً في قضيتي الزيارات والعزل الانفرادي     18-12-2014

 

- إضراب المعتقلين الإداريين إلى أين..؟؟ 22-6-2014

 

- مقابلة أجرتها مجلة عسقلان مع عبد الناصر فروانة حول الإعتقال الإداري وإضراب الأسرى 28/5

 

 - فروانة : المعتقلون المضربون انتصروا لقضيتهم وكرامتهم

 

- أكثر من ثلاثين يوما ومعركة الأسرى مستمرة      بقلم/ عبد الناصر فروانة (عربي-انجليزي) 24/5

 - وقفة تقييمية لإضراب الأسرى ...24-5-2012

-وزارة الأسرى : الأبعاد الإستراتيجية لانتصار الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية  19-5-2012

 

- تداعيات خبر استشهاد الأسير ثائر حلاحلة ..؟؟؟         بقلم / عبد الناصر فروانة 8-5-2012

 

- دعهم يضربون حتى الموت ...  بقلم/عبد الناصر فروانة 3-5-2012

 

- الإضراب الفردي.. رؤية نقدية   بقلم/عبد الناصر 14-4-2012

 

- فروانة : الأسيرة " هناء " تسجل الإضراب الأطول في تاريخ الأسيرات 27-3-2012

 

- " خضر عدنان ".. حالة نضالية فريدة... بقلم/ عبد الناصر فروانة 20-2-2012

 

- فروانة : اضراب " خضر عدنان " غير مسبوق وهو الأطول في تاريخ الحركة الأسيرة  11-2-2012

 

- فروانة : بوحدتنا نجعل" الأربعاء " يوماً وطنياً وعربياً للتضامن مع " خضر " والأسرى    13-2-2012  

 

- فروانة : الأسير " خضر عدنان " يوحد غزة التي انتفضت اليوم لنصرة قضيته  17-2-2012

 

- أسير يُضرب عن الطعام 75 يوما لإنهاء الانقسام .. بقلم / عبد الناصر 28-7-2012