النص الكامل لمقابلة أجرتها مجلة عسقلان الألكترونية مع عبد الناصر فروانة

ونشرتها ضمن عددها الخامس الصادر بتاريخ 28-5-2014

 

 

عبد الناصر فروانة .. الأسير المحرر .. وخبير الشأن الاعتقالي في قضايا المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.. كاتب شغوف بالهم الإعتقالي.. لا تكاد تخلو أيام فلسطين من تقاريره وإحصائياته.. يُلم بكثير الثنايا والدقائق في حياة الأسرى.. يسطر آلامهم وآمالهم..يدافع عنهم وينتصر لحقوقهم .. "عسقلان" كان لها شرف لقائه.

http://www.4freedom.ps/index.php/latestissue

 

-  هلا عرفتنا بماهيه الاعتقال الادراي وهل هو إجراء قانوني؟ وما هي خلفيته التاريخية؟

"الاعتقال الإداري" هو عملية قيام السلطة التنفيذية باعتقال شخصٍ ما وحرمانه من حريته بدون توجيه أي تهمة محددة إليه بصورة رسمية، ودون تقديمه إلى المحاكمة وذلك عن طريق استخدام إجراءات إدارية. وهو لا يعني معاقبة شخص على مخالفة اقترفها، وإنما منع المخالفة والخطورة مستقبلاً، على عكس الإجراء الجنائي.

والاعتقال الإداري يُعد إجراء شاذاً وشديد القسوة يتم اللجوء إليه لأسباب أمنية قهرية وفي ظروف استثنائية ولفترات محدودة جداً ، استنادا للمبدأ المتعارف عليه والمتفق حوله بأن حرية الأشخاص هي القاعدة.

بمعنى أن القانون الدولي قد أجاز اللجوء لاستخدام هذا الإجراء، واحتجاز الأشخاص المحميين وحرمانهم من حريتهم رغم عدم توجيه دعاوي ضدهم، لكنه وضع قيوداً صارمة ومجموعة من المبادئ والإجراءات الإدارية والضمانات القضائية في حال اللجوء لاستخدامه الاستثنائي، وحذّر من تطبيقه بشكل جماعي، لأن ذلك ربما يصل إلى مستوى العقاب الجماعي.

وعلى النقيض من المبدأ الذي تحدد في القانون الدولي ــ الذي يسمح بالاعتقال الإداري في حالات الطوارئ الشاذة للغاية، مع الالتزام بالقيود والضوابط وعندما لا تكون هناك إمكانية لدرء الخطر المترتب عن المعتقل ــ استعملت إسرائيل هذه الأداة كعقاب جماعي، ضد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، طوال سنوات احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية، وأصدرت منذ العام 1967 أكثر من 50 ألف قرار إداري بحق عشرات الآلاف من فئات عمرية واجتماعية مختلفة.

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال باعتقال الفلسطيني إداريا لمرة واحدة (تتراوح بين 3-6 شهور) بل استخدمت سياسة تمديد فترة الاعتقال سيفاً سلطته على رقاب المعتقلين، ليمضى بعض الأسرى سنوات طويلة في الاعتقال الإداري تجاوزت الخمس والست والسبع سنوات دون معرفة أسباب اعتقالهم وتاريخ الإفراج عنهم.

بمعنى أن إسرائيل أساءت وتسيء استخدام الاعتقال الإداري منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتستخدمه كإجراءٍ عقابيٍ ضد المواطنين الفلسطينيين، وفي أحيان كثيرة تستعمله كبديل سهل ومريح عن الإجراء الجنائي، خاصة عندما لا تملك أدلة على الاتهام أو عندما لا ترغب في الكشف عن الأدلة التي بحوزتها تحت ذريعة ما يُسمى "الملف السري"، وأن سلوكها وتطبيقها لهذا الإجراء بحق المواطنين الفلسطينيين يخالف كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية.

وتستند إسرائيل في تطبيقها للاعتقال الإداري إلى المادة (111) من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي فرضتها السلطات البريطانية في سبتمبر/أيلول 1945، ثم لجأت إسرائيل إلى إصدار عدة أوامر عسكرية تشرع الاعتقال أكثر من كونها تنظمه، ومنها الأمر العسكري رقم (378) عام 1970، وتعديله عام 1988 بالأمر العسكري رقم (1229) للضفة الغربية و(941) لقطاع غزة، وغيرها، ووصلت إلى (12) أمراً عسكرياً بخصوص الاعتقال الإداري.

وبرايي المتواضع ليس هناك من قانون محدد تستند إليه سلطات الاحتلال في تطبيقها للاعتقال الإداري، وإنما قرارات جهاز المخابرات "الشاباك" هي الأساس في تحديد الأشخاص المنوي اعتقالهم وعدد مرات التجديد لهم وتحديد فترات مكوثهم في السجن، وأن القرارات العديدة التي أقرتها في فترات متفاوتة تتعلق بإجراءات داخلية لديها وتهدف إلى تسهيل لجوئها للاعتقال الإداري وتنفيذ قرارات المخابرات ومنحهم صلاحيات أوسع، ولن تتردد في إقرار قوانين وقرارات جديدة إذا كان ذلك يخدم سياسة أجهزتها الأمنية.

 

-  كيف ترى خطوة الإضراب عن الطعام التي قام بها الأسري الإداريون ؟ لماذا انفرد الأسرى الإداريون بخطوة الإضراب عن الطعام؟

بداية دعنا نتفق بأن مقاومة الاحتلال في السجون بطولة وفخر وعزة، وأسرى فلسطين قدموا نماذج تحتذى ً، واستطاعوا عبر مقاومتهم للسجان من تحويل السجن إلى مؤسسة وطنية مقاومة، تحافظ على إنسانية الإنسان وكرامته ووجوده، وتعزز من انتمائه الوطني، وما كان لذلك أن يتأتى دون خوض مسيرة طويلة من العذاب والإضرابات والمواجهات المباشرة، ولعل الأبرز من بين الأشكال النضالية كانت الإضرابات عن الطعام.

فالإضراب عن الطعام أو ما باتت تعرف بمعارك الأمعاء الخاوية هي شكل من أشكال المقاومة السلمية والمشروعة خلف السجون، للذود عن كرامتهم ولانتزاع حقوقهم الأساسية، ولم يكن الإضراب عن الطعام مجرد موقف ضد إدارة السجون، وإنما كان تعبيراً عن قيم وأخلاق المقاومة، لكنه الأكثر ألما وقسوة، ويلجا إليه الأسرى رغما عنهم وبعد فشل الخطوات النضالية الأقل ألما.

والأسرى الإداريون قرروا في الرابع والعشرين من ابريل/نيسان الماضي خوض التجربة والمسك بزمام المبادرة ودقوا جدران الخزان، احتجاجا على استمرار اعتقالهم دون تهمة أو محاكمة، واعتراضا أصيلا على سياسة الاعتقال الإداري، وأعلنوا إضرابهم المفتوح عن الطعام، وهذا حق مشروع لهم لوضع حد لهذه السياسة وسوء استخدامها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن معركة الأمعاء الخاوية، مثلها مثل أي معركة، لا بد وأن يتوفر لها عوامل عديدة لضمان صمودها وديمومتها وصولا لتحقيق نجاحها وانتصارها. ودوما كان يسبقها سياق طويل من التحضيرات والتجهيزات الأولية والأساسية، ولعل أبرزها وحدة الموقف داخل الحركة الأسيرة و حُسن اختيار التوقيت والظروف السياسية. وضمان وحدة الخارج وملائمة الظروف ومساندة الشعب للإضراب ، على المستويين الرسمي والشعبي.

 

وبتقديري ان الأسرى الإداريين كانوا بحاجة إلى مزيد من الجهد والتريث لضمان توفير وتوفر كافة عناصر استمرار الإضراب ونجاحه. وأعتقد أن شكل انطلاقة الإضراب ومسيرته ومستوى حجم الفعاليات المساندة في الخارج ، يعكس خللا كبيراً ، لا بد من تداركه وتجاوزه والعمل على توفير وتعزيز عناصر النجاح، إذا أردنا للإضراب الاستمرار وتحقيق الانتصار.

بمعنى آخر أنه ولطالما قررت فئة من المعتقلين الإداريين أو جميعهم أو مجموعة من المحكومين بشكل فردي أو جماعي خوض الإضراب، وبغض النظر عن تحفظاتنا، وموقف البعض منه ومن توقيته، أو اختلاف الآخرين على عنوانه ومضمونه، إلا أن المسؤولية الوطنية تتطلب وتستدعي دعم المضربين ومساندتهم، والسعى لتعزيز وتطوير عناصر نجاحهم، فانتصارهم هو انتصار للحركة الأسيرة، وأي نتيجة غير ذلك ستؤثر سلبا على مجمل مناحي الحركة الأسيرة، ومخطئ من يعتقد غير ذلك.

وفي الوقت ذاته أرى بأن على الحركة الوطنية الأسيرة مجتمعة أن تجري تقييما جريئاً وتقويما سليماً لمسيرتها النضالية في السنوات الأخيرة، إذ لا يستطيع الأسرى أن يخوضوا معركتهم ضد السجان دون أن يتقنوا أدواتها وأن تتوفر عناصر نجاحها.

 

- ألا تعتقد أن خوضهم الإضراب بمفردهم يضعف موقفهم؟ وهل اتخذ بالتنسيق مع قياده الحركة الأسيرة ؟

بالتأكيد، غياب أي عنصر من عناصر نجاح الإضراب، يضعف موقف المضربين، فما بالكم بغياب أبرز العناصر المتمثلة بوحدة الموقف وغياب الجماعية. فالإضرابات الشاملة والمفتوحة عن الطعام، لا تستطيع أن تقوم بمنأى عن ثقافة جماعية، هي العنصر الرئيسي في حسم المعركة بدون شك، وهذا يعكس خللا في التنسيق بين قيادة الحركة الأسيرة وفي اتخاذ قرار البدء بالإضراب. ومع ذلك على الحركة الأسيرة أن تتجاوز ذلك، فلا مجال اليوم للعتاب والحديث عن تنسيق من عدمه، وإنما الوضع يتطلب الدعم والمساندة، والمسؤولية الوطنية تستدعي الحفاظ على مسيرة الإضراب وصون ثقافة المقاومة ودعم وإسناد المضربين.

 

- حتى اللحظة يمكن القول إن قيادة الحركة الأسيرة لا تدعم إضراب الأسرى الإداريين بكل قوة، رغم مناشدة قيادة الإضراب بضرورة دعمهم وإسنادهم ؟ ما هي الخطوات التي اتخذتها قيادة الحركة الأسيرة بعد المناشدة بدعم إضراب الأسرى الإداريين ؟

الأسرى مجتمع متكامل، يتفقون ويختلفون، ويجتهدون هنا وهناك في استحداث بعض الأساليب والأشكال النضالية، وكثيرة هي المحطات والخطوات التي تباينت الآراء والمواقف حولها، ولا شك أن الانقسام أثر على وحدتهم ووحدة مواقفهم، دون أن يؤثر ذلك على موقفهم الثابت والموحد من إدارة السجون ومقاومتهم لها.

وأعتقد بأن هناك تباين واختلافات في المواقف والآراء من موضوع إضراب الإداريين، ولكن هذه الاختلافات تقلصت كثيرا في الآونة الأخيرة ، وقيادة الحركة الأسيرة تجاوبت مع النداءات انطلاقا من حرصها ومسؤوليتها تجاه المضربين، وانضم عدد من قيادات الحركة الأسيرة للإضراب، بالإضافة إلى أن كافة الأسرى والمعتقلين وفي كافة السجون خاضوا  وفي أكثر من مرة إضرابات تضامنية مع الإداريين بتوجيهات من القيادة، مما يؤكد على أن الحركة الأسيرة وبالرغم من الاختلافات تبقى كمثل جسد واحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى. ومع ذلك عليها أن تعزز من ثقافة الجماعة بين صفوفها وأشكال التعاون و العمل النضالي الموحد في مواجهة السجان.

وبرأيي اتساع الحراك النضالي داخل السجون وفق رؤية موحدة وزيادة أعداد المضربين سيربك إدارة السجون وسيشكل عامل ضغط عليها ، خاصة إذا تزامن معه زيادة حجم المشاركة خارج السجون واتساع رقعتها.

 

 - هل تعتقد أن الحراك الشعبي الجماهيري والإعلامي كفيلان بإرغام المحتل على الرضوخ أو التفاوض بشان مطالب الأسرى الإداريين؟

إجمالاً الحراك خارج السجون على المستوى الرسمي والشعبي مهم للغاية وهو ما تخشاه سلطات الاحتلال، وهو مهم أولاً في تسليط الضوء على قضية المضربين ودفع المؤسسات الدولية للتحرك الجدي، وثانياً في منح المضربين جرعات من الصمود والمعنويات، وثالثاً يساهم في إنجاح الإضراب، وربما في بعض الأحيان يكون هو العامل الحاسم في دفع إدارة السجون للتجاوب مع مطالب المضربين. هذا الفعل المساند خارج السجون يلعب دورا مهما وأساسياً في تقصير مدة الإضراب أو إطالتها، وفي نجاحه وفشله. وإذا عدنا للوراء سنجد أن الإضرابات التي حظيت بدعم أكبر هي التي حققت انتصارات أكثر، ولا انتصار لإضراب للأسرى (فردي أم جماعي) دون دعم حقيقي من خارج السجون. وعلينا دائما البحث عن أساليب وأشكال دعم أكثر قوة وتأثيراً .

 

- ما هي حقيقة وواقعية مطلب الأسرى الإداريين بإيقاف الاعتقال الإداري ؟ وما هي فرص رضوخ الاحتلال لهكذا مطلب ؟

هناك فرق ما بين واقعية المطلب ومشروعيته، وإمكانية تحقيقه، وبرأيي المتواضع أرى بأنه مطلب مشروع وواقعي، خاصة وأن السلوك الإسرائيلي في استخدام الاعتقال الإداري ومن كافة الجوانب، هو سلوك مخالف للقانون الدولي وانتهاك فاضح لأبسط حقوق الإنسان، وتحول من إجراء إداري إلى سياسة ممنهجة في تعاملها مع الفلسطينيين وبشكل جماعي.

 ولكن بتقديري الشخصي أن إمكانية تحقيق المطلب والمتمثل بإلغاء الاعتقال الإداري وإيقاف العمل به بشكل نهائي أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، خاصة وأنه مجاز قانونا، ولأجل تحقيق ذلك فنحن بحاجة إلى جهد كبير جداً ومتواصل ومتراكم على مستويات عدة، ولكن بالإمكان –وهذا وارد جداً ومعقول- أن يضع الإضراب حدا لسوء استخدامه من قبل سلطات الاحتلال وأن تلتزم بما أتفق عليه في إضراب الأسرى عام 2012 وبالتالي تقليص القرارات الإدارية بالاعتقال الإداري أو تجديد الاعتقال الإداري ، وكذلك تقليص أعداد المعتقلين الإداريين.  

فبدون شك الاعتقال الإداري مرض خبيث ينهش بجسد الإنسان والجماعة، ويعيق من تطور الفرد والمجتمع، لذا نحن بحاجة إلى طبيب ماهر لاستئصاله أو على الأقل الحد من انتشاره وتقليص تأثيره .

 

 -كيف استقبلت إدارة مصلحة سجون الاحتلال إضراب الأسرى الإداريين وخصوصا بعد تحديها لهم بالإهمال وعدم التفاوض؟

بالعادة إدارة السجون لم تحترم إرادة الأسرى، ولم تلبِ مطالبهم الإنسانية، ولم تراعِ تدهور أوضاعهم الصحية، بتواطؤ تام من أطباء وممرضي السجن: ففي حالة الإضراب، ولم تكتف بإهمالهم وعدم تقديم الرعاية الصحية لمن تدهورت أوضاعهم الصحية، وإنما تساومهم على العلاج مقابل إنهاء الإضراب، وتمارس بحقهم الضغط الجسدي والنفسي لكسر إرادتهم، وتشن حربا صامتة على أجسادهم وتجري التنقلات والاقتحامات وتعزل بعضهم انفراديا لإجبارهم على وقف إضرابهم ، وأقرت اللجنة الوزارية للتشريعات مؤخرا قانون التغذية القسرية بهدف كسر إرادتهم وإلحاق الأذى بهم، مما يعيد إلى الأذهان ما حصل مع عشرات الأسرى، ويذكرنا بالشهداء الأسرى (راسم حلاوة) و(على الجعفري) و(اسحق مراغة). بالإضافة إلى حملة التحريضات الواسعة من قبل عدد من الساسة والوزراء الإسرائيليين والدعوة لقتل الأسرى وعدم تلبية لمطالبهم.

لقد كان السياسة المعلنة لإدارة السجون دوما، فيما يتعلق بالإضرابات، رفض التفاوض مع المضربين. والعمل على كسره وإنهائه، لأنها ترى فيه محاولة للي ذراعها. ولكن في ظل إصرار الأسرى وتماسكهم ومواصلتهم للإضراب واتساع حجم التضامن والدعم لهم ، داخل وخارج السجون، تضطر للتجاوب مع مطالبهم.  واليوم إسرائيل تجند كل طاقاتها وإمكانياتها وتبحث عن كيفية القضاء على نماذج الانتصارات في السنوات الأخيرة خضر عدنان وسامر العيساوي وإضراب 2012 ، ووضع حد لاستنساخ نماذج مشابه، بل وتسعى إلى كسر موجة الإضرابات الفردية والمجموعاتية لسنوات قادمة..!!

فهل ستنجح في تحقيق ذلك أم سيكون للأسرى ولنا في الخارج رأي آخر ؟؟

 

- ما الذي يتناوله الأسرى خلال الإضراب للحفاظ علي حياتهم ؟

حينما يقرر الأسرى بدء الإضراب عن الطعام يخرجون كل المأكولات والمواد الغذائية من غرفهم ، ويبقون فقط على الماء والملح، وفي السنوات الأخيرة لجأت إدارة السجون إلى منحهم المدعمات عبر بعض السوائل والمحاليل الطبية لإبقائهم على قيد الحياة. وللضغط على الإدارة يمتنع الأسرى أحياناً وفي محطات معينة عن تناول تلك المدعمات.

 

- وما رأيك في الإضرابات الفردية ؟

الجماعة والجماعية في مواجهة السجان هي الأساس في ثقافة الحركة الأسيرة، بل وحذرت الحركة الأسيرة مراراً من التفرد ، و خوض المواجهات والخطوات النضالية ذات الطابع الفردي أو الحزبي ، لما لذلك من خطورة على واقعها. ومن المؤكد أيضاً أن الحركة الأسيرة حققت انتصارات كثيرة ، بوحدتها وجماعيتها ووحدة أهدافها.

والإضرابات الفردية أو الحزبية انتشرت في السنوات الأخيرة، وهي نمط جديد ومختلف من المواجهة ، نمط يعتبر دخيل على عادات وتقاليد وثقافة الحركة الأسيرة ، نمط يُغَّيب ثقافة النحن ويعزز الأنا في مواجهة السجان، ويستبدل ثقافة الجماعية التي كانت سائدة طوال العقود الماضية ومن خلالها تحققت الكثير من الإنجازات . بالنماذج الفردية التي حققت قليل من الانجازات.

لكن وبدون شك هي نماذج ايجابية ومفخرة أعادت الاعتبار لفلسفة مقاومة السجان وقدمت الكثير وحققت بعض الإنجازات ، وأحدثت حراكاً نضالياً داخل السجون وخارجها ، وفتحت ملف الاعتقال الإداري تحديداً وبقوة أمام كافة المؤسسات الدولية من خلال الإضراب الذي خاضه الأسير " خضر عدنان " وتلاه مجموعة من المعتقلين الإداريين، ومنهم لا يزال المعتقل أيمن طبيش المضرب عن الطعام منذ ثلاثة شهور متواصلة.

 ولكنني صراحة أخشى دائما من العشوائية في استنساخ التجارب الفردية مما قد يضعفها ويضعف الاهتمام بها ، والتي من الممكن أن تشتت الجهود وتستنزفها دون انتصارات حقيقية، وقد تلحق الضرر بمسيرة وانجازات الآخرين وربما هذا ما يفسر إطالة فترة الإضراب الفردي، وبالتالي وبكل الأحوال ومع تقديرنا لما تحقق وتأكيدنا على دعمنا واسنادنا للمضربين بشكل فردي  ، إلا أننا نرى بأنه يجب أن لا تكون الإضرابات الفردية بديلا عن الإضرابات الجماعية .

 

-  لمسنا دوراً فاعلاً لوزارة الأسرى إعلامياً وقانونياً وجماهيرياً ودبلوماسياً من خلال لقاء الوزير عيسى قراقع بالسفراء المعتمدين لدى السلطة؟ ما هو المرجو من مثل هكذا لقاءات وهل هي فاعله ؟

بالتأكيد هي في غاية الأهمية، ووزير الأسرى عيسى قراقع لم يدخر جهدا إلا وبذله ولم يبقِ بابا إلا وطرقه ولم يترك جهة أو مؤسسة إلا وزارها والتقى بمسؤوليها لوضعهم في صورة الأوضاع داخل السجون ولحشد الرأي والدعم لقضية الأسرى، وهي جهود تندرج في سياق الدور الوطني الذي تقوم به وزارة الأسرى تجاه قضية الأسرى عموما بملفاتها المختلفة، وقضية المضربين خصوصا ومطالبهم العادلة.

ودور وزارة الأسرى لا يقتصر على ملف بعينة أو خلال فترة محددة ، وإنما دورها دائم الحضور فهي الحاضنة الرسمية لهذه القضية وواجبها يفترض التحرك على كافة الصعد والمستويات لإثارة قضية الأسرى وتسليط الضوء على معاناة الأسرى بفئاتهم المختلفة وفضح الانتهاكات والجرائم التي تقترف بحقهم، والعمل على تحسين شروط حياتهم على طريق ضمان تحقيق حلمهم بالحرية والعيش بكرامة في كنف شعبهم وبين أفراد أسرهم.  

 

 -  كيف تتواصل طواقم محامي الوزارة مع الأسرى المضربين وهل يسمح بالتواصل معهم وزيارتهم ؟

هناك قيود ومضايقات على زيارة المحامين للمعتقلين المضربين، ولكن بالإجمال يمكن القول أنه وبالرغم من كل ذلك استطاعت طواقم محامي وزارة الأسرى من تحمل الأعباء وتجاوز بعض المعيقات وتمكنوا من زيارة عدد من المعتقلين المضربين والالتقاء بهم والاطمئنان على أوضاعهم الصحية.

 

 -لوحظ منافسة بين مؤسسات تعنى بشؤون إعلامية للأسرى في الميدان كما لوحظ أن هناك تسويقا لهذه المؤسسات تتمثل بالتركيز على شخوص بعينها ؟

المنافسة قائمة ومشروعة ، ويجب تعزيز روح المنافسة الشريفة، لصالح بذل المزيد من الجهد والعمل لأجل قضية الأسرى، أما إن كانت منافسة لمجرد الظهور والتقاط الصور فقط وإبراز اسم الفرد أو المؤسسة، فهو غير مقبولة ويجب نبذها. فالأسرى قضية تزيد شرفا كل من يعمل من أجها بصدق وإخلاص، وتلفظ كل من يسعى لاستغلالها لأهداف شخصية والتسلق عليها وعلى معاناة وآلام الأسرى أو لتحقيق مآرب حزبية ضيقة.

نحن كلنا جنود للدفاع عن الأسرى وقضاياهم العادلة وحقوقهم المشروعة، وهم يمثلون قضية عادلة تحتاج إلى محامين مخلصين وأوفياء ينتصرون لها ، لا لمحامين فشلة، يبحثون عن ذواتهم وعن تحقيق مكاسب شخصية فيفسدون عدالتها .

ويحضرني هنا ما قاله الأديب الشهيد غسان كنفاني " إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية"

 

- كيف ترى طبيعة العمل المؤسسي لنصره قضايا الأسرى مقارنة مع ما يجري في الشارع الذي وصفه البعض بالبعد عن المهنية ؟

مؤسسات كثيرة تعمل لأجل الأسرى، نقدرها ونحترمها ونثمن دورها، خاصة وان غالبيتها العظمى يقف على رأسها وضمن طواقمها اسري محررين، ولكن بكل صراحة يجب إعادة النظر بكل أساليب عملنا وعلاقة المؤسسات فيما بينها ، والبحث عن أساليب جديدة أكثر تأثيرا ووحدوية في إطار استراتيجية مهنية ومتكاملة يشارك فيها الجميع وتعتمد على العمل التكاملي والتراكمي بعيدا عن الفردية والفئوية.

 

- وكيف تقيمون موقف اللجنة الولية للصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية ؟

بشكل عام هناك غضب وسخط على  الصليب الأحمر، تلك المؤسسة التي تراجع دورها تجاه الأسرى بشكل كبير وتحولت إلى مجرد ساعي بريد في السنوات الأخيرة، كما وان حالة من عدم الرضى بين الكثير من الفلسطينيين والناشطين في مجال الدفاع عن الأسرى وحقوق الإنسان من المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية بسبب تراجع دورها وتأثيرها تجاه الانتهاكات الجسيمة والفظة التي تقترفها سلطات الاحتلال بحق الأسرى في سجونها ومعتقلاتها. وهي مطالبة بتحمل مسؤولياتها والقيام بدورها الإنساني والأخلاقي. دون أن نغفل المواقف الايجابية لبعض المؤسسات الدولية والشخصيات ذات الثقل الدولي، والتي نقدرها ونحترمها وندعو إلى استثمارها والبناء عليها.

 

- ما هي توقعاتكم لمجرى الأحداث في سجون الاحتلال ؟

بدون مكابرة أو مبالغة، وبكل صدق وموضوعية الأحداث ليست سهلة، والأوضاع في غاية المأساة والتعقيد، والاحتلال يمعن في انتهاكاته وموحد في إجراءاته وقمعه، بتحريض من أعلى المستويات ضد الأسرى، والأمور تسير نحو التأزم، إلا إذا تغيرت العوامل الذاتية ويجب أن تتغير لجهة وحدة الموقف وتصعيد الحراك النضالي داخل السجون والفعل المساند خارج السجون على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. بما يضمن ليس فقط تحسين الشروط الحياتية أو وقف الاعتقال الإداري فحسب وإنما تحرير الأسرى كافة الأسرى دون استثناء، لأن تحريرهم ليس واجبا وطنيا وسياسيا وإنسانيا وأخلاقيا فقط، وإنما ضرورة حيوية وجوهرية لتعزيز روح المقاومة وشحن همم المناضلين ورفع معنويات الشعب الفلسطيني لاستمرار مقاومة الاحتلال ودحره وتحرير فلسطين من دنسه وتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. .