القنطار يدخل القفص الذهبي حراً ..

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

4 مارس 2009

 

دخل المناضل الكبير سمير القنطار القفص الذهبي طواعيه ، مختاراً لرفيقة دربه الإعلامية " زينب برجاوي " بعد سبعة شهور ونصف من تحرره من القيد ، وتناولت وسائل الإعلام المختلفة بالأمس خبر عقد قرآنه ، وكأن الأمر يدور عن شخصية اعتبارية ذات مكانة سياسية واجتماعية مرموقة فحسب ، وتناسى الجميع بأن " سمير " كان أحد العمداء الأساسيين للحركة الأسيرة طوال ثلاثين عاماً أمضاها في غياهب سجون الإحتلال ، وشكل بعد تحرره وعودته للبنان عنواناً للإنتصار والإرادة القوية ، وغدى رمزاً من رموز الأسرى الذين لم ولن تكسرهم القيود أو تدفعهم قسوة السجانين وعتمة الزنازين للإستسلام أو التراجع ، فعاد منتصراً ببزته العسكرية .

المنتصر " سمير القنطار " عميد الأسرى العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً ، لم يكن شاباً عادياً في حياته ، بل كان نموذجاً للإنسان العربي الحر الأصيل الذي تبنى هموم المواطن العربي أينما كان ، وأدخل قضية تحرير فلسطين في فؤاده ، فحمل السلاح وتخطى السياج والحدود وعبر البحار وقاد زملائه لتنفيذ أروع العمليات البطولية ضد الإحتلال الإسرائيلي في نهاريا ، ومن ثم خط أولى حروف تاريخ جديد في حياته بدم على جدران أقبية التحقيق ، واستمر في تسجيل صفحات مضيئة في الصمود والسلوك والممارسة مع اخوانه ورفاقه طوال فترة اعتقاله ، مما منحه وعن جدارة وسام الفخر والإعتزاز من الحركة الوطنية الأسيرة بمختلف أطيافها السياسية والحزبية .

وبتقديري المتواضع لم يسبق لأي فلسطيني أن ذاق مرارة الإعتقال ، ولم يسمع باسم " سمير القنطار " ، كما لم يعد هناك فلسطيني واحد لا يعرف " سمير " لاسيما بعدما حررته المقاومة اللبنانية الباسلة رغماً عن أنف الإحتلال ، وبعدما رآه الشعب الفلسطيني على شاشات التلفزة ، عائداً منتصراً الى الجنوب اللبناني في تموز الماضي مرتدياً بزته العسكرية ، وبعدما سمعه كل فلسطيني وهو يردد " ما عدت من فلسطين إلا لكي أعود الى فلسطين .

سمير القنطار .. لم يعد رمزاً للبنانيين فحسب ، بل ومن حق الفلسطينيين أن يفخروا بأن الأمة العربية لديها من الرموز أمثال القنطار ، فأحبهم ، واحبوه ، ويوم تحرره  كان يوماً عمت فيه الأفراح والتظاهرات شوارع وأزقة مخيمات ومدن فلسطين ورفعت فيه صوره ووضعت على الصدور وتغنى الجميع باسمه .

وحينما تطالعنا وسائل الإعلام بخبر عقد قرآنه ، فلا يمكننا إلا وأن نتوقف أمامه ، لأنه يخص مناضل عظيم قدم لفلسطين زهرة شبابه ، فأمضى في سجون الإحتلال من سنوات عمره أكثر مما أمضى في رحاب الحرية ، رجل كان وفياً لفلسطين وشعبها الى أبعد الحدود ، وفلسطين وشعبها هم دائماً أوفياء لمن كانوا أوفياء لهم  .

غزة اليوم وقبل الحرب المجنونة عليها بسنوات ... تعيش حصار خانق وتحولت الى سجن هو الأكبر في العالم ، ولو لم يكن الحال هكذا ، لطرتُ الى بيروت  للقائه وتقديم التهاني له بهذه المناسبة السعيدة ، لأهنئه بالنيابة عن الحركة الوطنية الأسيرة التي لازالت تنظر من يُحرر رموزها وقياداتها ومن عايشوا سمير عشرات السنين خلف القضبان ، وبالنيابة عن عائلاتهم وامهاتهم اللواتي ذرفت عيونهم الدموع الغزيرة وهن يشاهدن سمير يحتضن والدته وأفراد عائلته بعد ثلاثين عاماً حرم خلالها من رؤيتهم ، ولأهنئه باسم الشعب الفلسطيني العظيم الذي أحبه وشمخ تشرف به دوماً ،  ومنحه الجنسية الفلسطينية من أعلى المستويات السياسية .

كنت أتمنى لو أن الحدود مفتوحة أو على الأقل المعابر ليست سداً منيعاً في وجوهنا ، لكي أتمكن من السفر الى بيروت وتقديم التهاني له باسم عائلتي الصغيرة لاسيما باسم أبي العزيز " أبو العبد " رفيق دربه ، الذي عايش سمير سنوات طويلة وداخل غرفة واحدة ، بل وعلى سرير واحد ذو الطابقين ، هكذا هي أسرة السجون ، وكثيراً جداً ما حدثني عن سمير الرائع .

كنت أتمنى لو لم نكن أسرى في سجن قطاع غزة الكبير ، و أن تفك القيود عنا ونتحرر ، لأنطلق صوب الجنوب اللبناني قاهرة الأعداء ، لتهنئة عائلته الصغيرة وخاصة والدته وشقيقه بسام ، هذه العائلة التي أفخر بأنني زرتها وإلتقيت بها في بيتها في قرية عبية بالجنوب قبل ثلاثة أعوام ، وتجولت بعدها في كل شبر من الجنوب لأفخر بتجربة الجنوب المقاوم المنتصر .

ومع ذلك لم أنتظر حتى  يتحقق كل هذا ، فقد يطول الحصار وقد تمتد سنوات السجن في قطاع غزة ، والواجب يتطلب موقفاً سريعاً وفاءاً لهذا الرجل ، فلجأت بالأمس الى هاتفي النقال وهاتفتهم مهنئاً ومعرباً لهم عن سعادتي الغامرة بهذه المناسبة التي أثلجت صدورنا وأدخلت في نفوسنا الفرحة .

 ونأمل من الله ان يبارك لهما وعليهما وان يوفقهما ويسعدهما وان يرزقهما لاحقاً بالذرية الصالحة .

على أمل أن يفك الله أسرنا في القريب العاجل ونتمكن من السفر الى بيروت ثانية للقاء الأحبة ولمن اشتقنا لرؤيتهم ونكن لهم كل الإحترام والتقدير.

  

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/

 

أحدث المقالات والتقارير ذات صلة

- المنتصر سمير القنطار .. ينعم بالحرية ويعود للبزة العسكرية ..!17-7-2008

- صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله .. معاني ودلالات .. ! 8-7-2008

- يوم الأسـِير العربي !!! سميِر القنطار ...  28 عاماً داخل السجون الإسرائيلية 22-4-2007

- الأسرى العرب في يوم الأسـِير العربي ... معاناة مضاعفة وتجاهل اعلامي ملحوظ وأمل مفقود ..!! 22-4-2008