يوم الأسـِير العربي !!!

سميِر القنطار ...  28 عاماً داخل السجون الإسرائيلية

بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

22 نيسان2007

الثاني والعشرون من نيسان ، يوم ليس ككل الأيام ، هو يوم الوفاء لمن أوفوا للقضية الفلسطينية وبذلوا الغالي والنفيس من أجلها ، يوماً للوفاء لمن تجاوزوا الحدود وتخطوا الأسلاك الشائكة والمناطق المزروعة بالألغام ، ليدافعوا عن القضية الفلسطينية العربية الإسلامية المقدسة ، وليقاتلوا العدو الصهيوني وجهاً لوجه .. يومٌ للوفاء للقنطار ، للعجلوني وأمين الصانع ولسالم وخالد أبو غليون ،  يومٌ للوفاء لصدقي وبشر المقت و سيطان وعاصم والي ، يومٌ للوفاء لكل عربي أصيل ناضل واعتقل من أجل فلسطين .. فمنهم من قضى نحبه داخل الأسر أو بعد التحرر ويحضرنا هنا الشهيد البطل السوري هايل أبو زيد ، ومنهم من لا زال يُعاني من آثار السجن المدمرة ويُعالج من أمراض عديدة ورثها عن السجون الإسرائيلية رغم تحرره منذ سنوات .. ومنهم من لا زال في الأسر منذ عقود ينتظر أن يرى الشمس بلا أسلاك شائكة وأن يلتقى أمه وذويه بلا قضبان .. ومنهم القنطار الذي لم يرَ أمه أو أياً من أهله منذ اعتقاله قبل ثمانية وعشرين عاماً .

الثاني والعشرون من نيسان عام 1979 هو يوم اعتقال الأسير العربي اللبناني سمير القنطار ، وهو أقدم الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية ، وأطلق عليه عميد الأسرى العرب ، واعتمد يوم اعتقاله يوماً للأسير العربي ليكرم فيه كل الأسرى العرب ..

هذا المناضل العربي ، الذي رفضت سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإفراج عنه ضمن عمليات التبادل السابقة ، وكان آخرها تلك التي جرت ما بين حزب الله و" اسرائيل" في يناير عام 2004 ، بالرغم أنها أطلقت بموجبها سراح 24 أسيراً لبنانياً ، كانوا معتقلين لديها إلاََ أنها تمسكت به كرهينة سياسية لحين الحصول على معلومات عن الطيار الإسرائيلي  المفقود رون أراد .

ومنذ اعتقاله قبل ثمانية وعشرين عاماً لم يسمح لأيٍ من أفراد عائلته بزيارته ، إلاّ أن تلك العائلة الصغيرة لم تفقد الأمل مطلقاً بعودته سالماً منتصراً إلى بيته وشعبه ، ولقد التقيت بهم قبل عام ونصف في بيتهم المتواضع في قرية عبية في الجنوب اللبناني  ، وكم كنت فخوراً بلقاء هذه العائلة النموذجية الرائعة الصامدة ، ووالدته كانت أكثر من ذلك بكثير ، فرأيت فيها نماذج لا توصف وآمال بلا حدود ، ولا زالت صورتها ماثلة أمامي وهي تحتضن صورة ابنها سمير وتقول بكل ثقة  "  منذ علمت باعتقاله وأنا أتوقع عودته في كل يوم ، وأحيا على هذا الأمل الذي لابد وأن يتحقق  " .

ولقد انتعشت آمالها وآمالنا جميعاً بعد العملية العسكرية النوعية التي نفذها مقاتلو " حزب الله " ضد القوات الإسرائيلية في شمال إسرائيل، في 12 يوليو/ تموز 2006 ، و التي حملت عنوان الأسرى وتحريرهم و أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين وهما أيهود غولدفاسير ، إلداد ريجيف ، مما أعاد فتح ملف القنطار والأسرى اللبنانيين من جديد ولربما العرب والفلسطينيين جميعاً ، وثقتنا عالية بسماحة الشيخ المجاهد حسن نصر الله وبقيادة وكوادر ومقاتلي حزب الله .

فمن هو سمير القنطار ؟ عميد الأسرى العرب

سمير قنطار .. اسم مفخرة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة .. صنعه في خضم المقاومة في لبنان وفي ساعات البطولة في نهاريا .. وكتب حروفه بنزيف الدم في أقبية التحقيق .. وخط تاريخه العريق بحروف من نور ونار في معارك النضال والثبات والشرف في غرف الموت البطيء …فكان ولازال وسيبقى منارة لنا وللأجيال القادمة ونموذجاً أصيلاً يحتذى به ، وكل يوم يمر يزداد فيه سمير شموخاً ونزداد نحن شموخاً به …

ولد سمير القنطار عام 1962 في بلدة عبيه وهي بلدة ذات موقع إستراتيجي هام يشرف على العاصمة بيروت، تلقى علومه الأولى في مدارس البلدة وتميز منذ صغره وبشهادة الكثير من رفاقه بشجاعة وحماس منقطع النظير ويروى أنه كان يضع تحت إحدى صوره عبارة "الشهيد سمير القنطار".

شارك في التصدي والقتال ضد قوات الإحتلال في جنوب لبنان ( الطيبة) إبان الإجتياح الإسرائيلي الأول للبنان عام 1978.

حاول القيام بعملية عسكرية ضد العدو الإسرائيلي عن طريق الحدود الأردنية في منطقة بيسان وإعتقل هناك لمدة سنة من تاريخ 31-1-1978 ولغاية 25-12-1978. 

 بتاريخ 22 نيسان 1979 نفذ عملية القائد جمال عبد الناصر مع ثلاثة من رفاقه هم: (عبد المجيد أصلان) و(مهنا المؤيد) و(احمد الأبرص). وكان سمير قائد العملية ، وإخترقت المجموعة رادارات العدو وترسانة أسلحته منطلقه من شاطئ مدينة صور بزورق مطاطي صغير من نوع (زودياك) معدل ليكون سريع جداً، وكان هدف العملية الوصول الى مستوطنة نهاريا وإختطاف رهائن من الجيش الإسرائيلي لمبادلتهم بمقاومين معتقلين في السجون الإسرائيلية.

المميز في عملية نهاريا أن المجموعة  إستطاعت إختراق حواجز الأسطول السادس وأخفوا الزورق عن الرادار وحرس الشاطئ، بدأت العملية في الثانية فجراً وإستمرت حتى ساعات الصباح وكانت الحصيلة مقتل وجرح العديد من الإسرائيليين  .

أما افراد العملية فلقد إستشهد منهم إثنان هما عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد وأعتقل سمير القنطار وأحمد الابرص ولقد أطلق سراح الأبرص عام 1985 على أثر عملية تبادل الأسرى.

أعتقل سمير وهو ينزف دماً وتعرض لتعذيب قاسي  التعذيب يصفه بأنه أشبه بقصص الخيال التي لا يمكن أن يصدقها الناس أو يتصورها العقل البشري، وفي رسالة من داخل سجنه شرح سمير قصة تعذيبه قائلاً :" لقد صلبت عارياً على حائط وبدأ جنود الاحتلال يتدربون فن القتال على جسدي، بقيت تحت الشمس أيام وليالي واقفاً ويداي للأعلى مقيدة بالحائط ورأسي مكسو بكيس من القماش الأسود الذي تنبعث منه رائحة نتنة. بعد حفلة التعذيب هذه كبلوا جسدي بالجنازير والصقوا بأذني مكبرات للصوت ومنها تدوي صافرة في الرأس حتى فقدت الشعور والإحساس بالوجود، أقسى ما عانيته عندما وقعت جريحاً, وبدأت عمليات استئصال بعض الرصاصات من جسدي حيث كنت شاهداً على مشهد استئصال تلك الرصاصات لأنهم لم يعطوني مادة مسكنة للألم، وعندما حاولت الصراخ من الألم أغلقوا فمي ,وكلما كنت احضر للعيادة في السجن للتغيير على الجرح كان الطبيب يدخل إصبعه في الجرح بحجة أن عليه أن يتأكد من عيار الطلقات التي اخترقت جسدي، وأثناء التحقيق, كنت اجلس أمام المحقق مكبل اليدين والقدمين ,ويطفئ المحقق سجائره في يداي، بقيت في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر وسط الظلمة لا اعلم متى يبدأ النهار ومتى ينتهي الليل". 

  وفي 28 كانون الثاني من العام1980 حكمت المحكمة الإسرائيلية المركزية في "تل ابيب" على الأسير سمير القنطار بخمس مؤبدات أضيف إليها 47 عاماً ولم يبق سجن في إسرائيل إلا وزاره سمير ونال فيه ما يكفي من التعذيب،  إلى أن استقر في معتقل نفحة الصحراوي في النقب وهو من أقسى السجون الإسرائيلية.

وخلال حياته خلف القضبان خاض سمير عشرات  الإضرابات عن الطعام ويعد أحد رواد الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية والتي تخوض يومياً معارك البطون الخاوية من أجل تحسين شروط العيش الإنسانية داخل المعتقل، وسقط خلال هذه الإضرابات عدد من الأسرى شهداء من بينهم راسم حلاوة وأنيس دولة وأسحق مراغة وحسين عبيدات .

وبعد إضراب عن الطعام دام 19 يوماً إنتزع سمير حقه مع رفاقه الأسرى في التعلم  بالمراسلة من داخل سجنه وبعد جهود كبيرة ومتواصلة ومتعبة  سمح له في عام 1992 الالتحاق بجامعة تل أبيب المفتوحة وهي تسمح بإنتهاج أسلوب التعلم عن بعد وقد تخصص بمادة العلوم الإنسانية والاجتماعية،وأنهى دراسة الإجازة في حزيران العام 1997 ، وفي تموز من العام 1998 طلب الأسير سمير القنطار متابعة دراسته العليا في جامعة خاصة موجودة في إسرائيل، ولكن إدارة السجن رفضت طلبه معتبرة انه لا يمكنه الدراسة إلا في جامعة عبرية كي تراقب مضمون المواد ، وهو حالياً يتابع دراسة الماجستير في مادة "الديمقراطية " وتجاوز العقبات التي وضعتها مديرية السجون .

و من الجدير ذكره بأن  سمير يعاني من الناحية الصحية من مرض الربو ومن رصاصة لا تزال مستقرة في رئته اليمنى وهي تهدده دائماً بخطر كبير كما لم يسمح لعائلته بلقائه منذ اعتقاله في 22-4-1979 ، ورغم كل عمليات التبادل التي جرت  لم يطلق سراح سمير القنطار، بسبب التعنت الإسرائيلي .

لك ولكل الأسرى العرب التحية والتقدير ومنا العهد والوفاء