تَعرَّف على :

سـجـن "جلبــوع " الإسرائيلي ...

إسم جديد على خارطة السجون الإسرائيلية السوداء ؟؟

 

 

بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

حزيران 2004

لم تكتفِ سلطات الإحتلال الإسرائيلي بما هو قائم من سجون ومعتقلات ، من حيث العدد والبشاعة ، فتارة نسمع ونعلم عن سجن غوانتانامو الإسرائيلي ذاك السجن السري والذي مرّ على إنشائه سنوات وبقيّ في إطار السرية مما يترك علامات إستفهام كبيرة على ما يجري بداخله من إنتهاكات وإختفاء للأبد ، وتارة أخرى يعلن عن إنشاء وتدشين سجن جديد أو قسم جديد في هذا السجن أو ذاك وبظروف أكثر قسوة من سابقاته ، حتى وصل عددهم  قرابة 28 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف ، وهي سجون ومعتقلات تعتبر الأكثر ظلماً وقهراً في العالم ،  وقد نسمع غداً عن أسماء جديدة كانت سرية واكتشف أمرها أو أنشئت حديثاً ، والأخطر من ذلك هو ما يضاف لتلك السجون من شروط قاهرة وظروف بشعة من الصعب أن توصف ، ومعاملة قد لا تجد من الكلمات ما يوصفها ، ومبانٍ ومعسكرات فاقت ما شهدها العالم في عهد النازية .... وكل يوم نجد أنفسنا مطالبون بفضح وتوثيق ما يجري في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، لعل صرخاتنا وكلماتنا تجد طريقها وتصل إلى آذان المعنيين .

 

سـجـن جلبــوع

 

حلقة جديدة في سلسلة حلقات طويلة من السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، وهوسجن جديد يقع في غور بيسان بجوار سجن شطة القديم ويعتبر جزءٌ منه ، وإفتتح في نيسان 2004 ويتكون سجن جلبوع من خمس أقسام وفي كل قسم هناك 15 غرفة وتتسع كل غرفة الى 8 أسرى  ويشهد إكتظاظ شديد ولا تكفي الأَسرة للأسرى الموجودين الآن حيث وصل العدد إلى (780 ) أسيراً وبالتالي يضطر بعضهم لإفتراش الارض  .

ومع بداية إفتتاحه تم نقل مجموعة أعتبرت من النواة الصلبة للأسرى من كافة السجون مكونة من 70 أسيراً من مختلف التنظيمات ، ضمن مخطط اسرائيلي يستهدف عزل النشطاء من الاسرى في هذا السجن الذي يخضع لاجراءات أمنية مشددة و معقدة ، بل ويعتبر حسب مصادر إسرائيلية السجن الأشد حراسة في السجون الإسرائيلية ،حيث شُيد بإشراف خبراء ايرلنديين .

 

 وهو عبارة عن قلعة حصينة أٌقيمت من الأسمنت المسلح والفولاذ ويقع في غور بيسـان قرب سجن شطة القديم ويحاط بجدار ارتفاعه تسعة أمتار ويوجد في أعلاه صاج مطلي وذلك كبديل عن الأسلاك الشائكة التي توجد عادة في جميع السجون ، وقد شارك خبراء ايرلنديون في التخطيط لهذا السجن على طريقة السجون الايرلندية التي يعتقل فيها افراد من الجيش السري الايرلندي حيث أرسلت مجموعة من ضباط سلطة خدمات السجون إلى ايرلندا الشمالية قبل بناء السجن وزاروا عدة سجون هناك والتقوا بخبراء إيرلنديين ،ويقول دافيد آنجل نائب مدير سجن جلبوع : تعلمنا هناك أنه من الأفضل وضع صاج مطلي على الأسوار وليس أسلاكاً شائكة إذ لا يمكن التسلق عليه ، وقد نصب على جميع نوافذ السجن حديد تم تطويره في اسرائيل يطلق عليه " حديد نفحا " وهو عبارة عن قضبان مصنعة من الحديد والأسمنت ، وحسب آنجل " لم يتمكن أحد في العالم حتى اليوم من نشره " .

وقد تم إدخال " عنصر سري " تحت أرضية السجن ، ولا يسمح بالحفر ، وإن تم إخراج جزء من الباطون الذي يغطي أرض السجن يتحول لون أرضية الغرفة إلى لون آخر يشير إلى محاولة حفر خندق .

فهو عبارة عن صندوق مسلح سماءً وأرضاً، يفتقد لكل المقومات الانسانية الاساسية، السجانون يتعاملون بشكل عنيف مع الأسرى ويتلقون تعليمات بالتعامل معهم بقسوة متناهية ، ويصف الأسرى بأنه آخر إبداع للقهر والاضطهاد بحق المعتقلين الفلسطينيين ففيه تمتهن الكرامة وتداس كافة المواثيق الدولية ، وترتفع فيه أسهم البشاعة والقساوة والمعاملة اللاإنسانية تفوق ما سمعناه وعرفناه عن الأوضاع في السجون الأخرى ، فعقلية الإحتلال تبتدع بإستمرار وسائل أكثر بشاعة ودموية.

وبإختصار شديد فإن الوضع الصحي متردي جداً ولا يوجد فحوصات للمرضى ، و لا دواء مقدم سوى الاكامول "مسكن عام" لكل الأمراض والأوجاع ، وشكا الأسرى مراراً من سياسة المماطلة المستمرة في تقديم الحالات المرضية إلى العلاج، ولطبيب مختص حيث يتم إعطاء الاكامول  لجميع الحالات المرضية، وبسبب تعود الاسرى على اخذ الاكامول باتت الإدارة تعطي بعض الأسرى أدوية لا يعلمون مفعولها ولا نوعها.

و الطعام أسوأ ما يكون ولا يفي بالحد الأدنى من إحتياجات الجسم وبالتالي  يضطر الأسرى إلى شراء بعض المواد الغذائية المسموحة على حسابهم الخاص حتى تساعدهم في البقاء على قيد الحياة ، وهذا يشكل عبئاً إقتصادياً إضافياً على ذويهم في ظل أوضاع إقتصادية في غاية الصعوبة .

 

 والغرف تشهد إكتظاظ وازدحام و ادارة السجن لا تسمح للاسرى بالخروج الى ساحة النزهة سوى ساعة واحدة فقط يومياً وعند عودتهم للغرف يتعرضون للتفتيش المذل مما يسبب إحتكاك وتصادم بشكل مستمر مابين الأسرى وإدارة السجن ويبقي على حالة التوتر قائمة بإستمرار ويدفع الأسرى أحياناً الى رفض الخروج لنزهة إحتجاجاً على تلك الإجراءات وبذلك لا يتعرض جسمهم لأشعة الشمس لعدة أيام .

 

وكثيراً ما تفرض إدارة السجن غرامات مالية على الأسرى وتخصمها من رصيد الأسير القادم له من الأهل وذلك لأتفه الاسباب ، فمثلاً  في حالة اجراء العدد ويوجد أحد الاسرى داخل الحمام فإن السجانين يدخلون اليه ويخرجونه بالوضع الذي هو فيه ، وعند الصلاة يجبرونهم على ترك الصلاة والحضور من اجل اتمام العدد ، ويفرض عليهم غرامات بسبب التأخير.

 أن بعض الأسرى ممنوعون من زيارة الأهل دون وجود أي سبب يذكر، وإن تمت هذه الزيارة للبعض الآخر فإنها تتسم بالمعاناة والإهانة والعذاب الشديد بالنسبة لذويهم من نساء وأطفال وشيوخ حيث الانتظار لساعات طوال تحت الحر الشديد ولا تتوفر ابسط الشروط الاساسية لهم من مقاعد ومراحيض وماء للشرب ومظلات واقية من اشعة الشمس صيفاً ومن الأمطار شتاءاً .

وزيارة المحامين التي تكفلها كافة المواثيق الدولية هي الأخرى معقدة ومهينة ويضطر المحامي الى الانتظار فترة طويلة ، وأحياناً إلى التفتيش أوالمنع من الزيارة ، وان الغرفة المخصصة للزيارة تكون هي نفسها غرفة زيارات الاهل ولا يوجد غرفة مخصصة لزيارة المحامين وتجرى الزيارة في ظل رقيب عسكري وهذا مخالف للقانون الدولي وإتفاقية جنيف الثالثة والتي تنص على " السماح للمحامي بزيارة الأسير بحرية والتحدث معه دون وجود رقيب ".

 وأعرب الأسرى عن قلقهم الدائم من الشذوذ الجنسي الذي يعاني منه العديد من السجانين والمحققين، حيث يقوم السجانون بتعرية الأسرى واجراء التفتيش العاري  المذل لهم عند الدخول والخروج من المحاكم، وفي العديد من الأوقات يطلبون منهم الوقوف والجلوس والانحناء بعدة أشكال وبدون سبب ، ولكن الهدف إهانتهم وإذلالهم وكسر شوكتهم ، ويقوم السجانون بادخال أسيرين أو ثلاثة أسرى إلى غرفة وهما عاريين تماماً لبعض الوقت وبعدها يخرجونهم دون وجود مبرر لهذا العمل القذر .

وتردد على مسامعنا مؤخراً عن أن محاولة اغتصاب جرت من قبل السجانين لعدد من الأسرى في احد الاقسام في هذا السجن ، وبعد رفض المعتقلين ذلك ومقاومتهم للسجانين تم عزلهم في زنازين انفرادية .

هذا غيض من فيض لما يجري في سجن جلبوع ،  فظروفه وشروطه الحياتية والإنتهاكات التي تحدث بداخله  تفوق ما يجري في السجون الأخرى ، وإن كانت هناك قواسم مشتركة ما بين السجون وما يجري بداخلها من قبل إدارات السجون لأن العقلية واحدة والهدف واحد وعناوين جميعها الإرهاب و الفاشية ، التعذيب المميت و المعاملة القاسية و الإنتهاكات الفاضحة ، فدولة الإحتلال هي الدولة الأكثر إرهاباً في العالم والأقل إحتراماً للإنسان وإنسانيته وللأسير وحقوقه .

وإن الاوضاع في " سجن جبوع " قابلة للانفجار، فلقد حملت العديد من رسائل الأسرى التي سربت من السجن  مناشدات عدة للهيئات الدولية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتدخل لإنقاذ حياتهم ووقف الانتهاكات التي يتعرضون لها.وأشار الأسرى في رسائلهم إلى تردي الأوضاع الصحية للعديد منهم ، بسبب سياسة الإهمال الطبي والحرمان من العلاج بشكل دائم منذ فترة طويلة ، كما تحدثوا عن وسائل الأمن المتبعة داخل السجن والتي لا تطاق وتعتبر أكبر مصدر إزعاج لهم من خلال كاميرات المراقبة المثبتة داخل غرفهم وعدد مرات العد في اليوم الواحد دون مراعاة أو اهتمام لأوقات النوم أو الصلاة ، وأفادوا أيضاً بأن ما يعرف بالتفتيشات المفاجئة لغرفهم بحجة التفتيش ليلاً ونهاراً قد ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ مما يسبب لهم الإزعاج وارهاق المتواصل، حيث يجبرهم السجانون على الخروج من الغرف رافعين أيديهم للمرات الضيقة لتبدأ معها عمليات التخريب والعبث بحاجياتهم وملابسهم التي تتعرض معظمها للتلف والمصادرة بحجة أنها من الممنوعات يتخللها الصراخ وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية وأحيانا الضرب من قبل القوات الخاصة التي شكلتها إدارة مصلحة السجون خصيصاً لقمع الأسرى .

 

ومن هنا فإنني أناشد كافة المؤسسات والهيئات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية وحتى الإسرائيلية للتدخل السريع من أجل زيارة هذا السجن والسجون الأخرى والإطلاع عن كثب على تلك الأوضاع المزرية ، ووضع حد لما يجري بداخلها من انتهاكات فاضحة لحقوقهم الأساسية وإنقاذ حياة اسرانا وأبطالنا ... وتفجر الأوضاع في السجون يعني تفجرها في كافة بقاع الوطن ، فالأسرى بوصلة الإستقرار والأمن بالمنطقة وهم جزء وجزء أساسي من الشعب الفلسطيني والأمة العربية ومن الواجب الوطني والقومي والإسلامي مساندتهم والتضامن معهم والدفاع عن قضاياهم العادلة.

 

وتجدر الإشارة الى أن الأسير بشار عارف عبد الوالي بني عودة من بلدة طمون في جنين بتاريخ 23/6/2005 استشهد في ذات السجن نظراً للظروف الصحية الخطيرة وللإهمال الطبي .