ردأ على مقال

" الأسرى والموت "

لقراءة مقال " الأسرى والموت " للصديق الكاتب د.عدنان جابر

بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

15 يناير 2007

صديقي العزيز / د . عدنان  جابر  المحترم

تحية الوطن وبعد ،

   أنا لست كاتباً أو صحافياً ، ولم يسبق لي أن قمت بالرد على أي مقال ، ولكن صدقني  تأثرت كثيراً بـ " الأسرى والموت " حتى أنني قرأتها أكثر من مرة ، وصدقني في كل مرة ذَرفت الدمع وأنا أتنقل بين كلماتها وأعبر سطورها .. أتعرف لماذا يا صديقي ؟؟

 

    ليس حباً وتمسكاً بالحياة المؤلمة القاسية ، هذه الحياة التي لم نكن نحلم بها ونحن في الأسر ، بل ولم تخطر على بالنا قط ، وحتى أكثر المتشائمين لم يتخيلها لحظة .. كنا نعيش كمجتمع صغير تسوده حياة مثالية نموذجية خلف الأسر ، وكنا نحلم ونسعى بأن تكون قائمة خارج الأسر ، ولكن ما بين الحلم والواقع فجوة كبيرة جداً .

 

صدقت يا صديقي في قولك بأننا ننتقص واحداً واحداً دون أن نحقق ولو جزءاً بسيطاً من أحلامنا الشخصية والوطنية ، فنحن فعلاً كنا نقارع السجان والجلاد بكل شموخ ، ولكننا اليوم نقارع ما هو أقسى وأشد ، نقارع الإحتلال ونقارع أنفسنا ونقارع الحياة بما تحمله من مرارة وقساوة ، وأحياناً نشعر وكأننا غرباء في هذا الوطن ، وطن مسلوب وحرية مفقودة ، وطن يتشاجر فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون .. فهذا  ليس بالوطن الذي طالما حلمنا أن نحيا أحراراً فوق ترابه ، وهذا المجتمع ليس ذاك الذي حلمنا أن نعيش في كنفه  .

 

    لا شك يا عزيزي بأننا كأسرى سابقين  نشعر بأن آثار السجن تلاحقنا باستمرار ونخشى  المرض اللعين ونتوقع الموت في كل لحظة ، رغم إيماننا بالله عز وجل وبالقدر وبالموت القادم لا محالة ، ولكن لكل موت سبب وقد يكون السجن والتعذيب و آثارهما  هما السبب في موت الآلاف منا ولهذا ننتقص الواحد بعد الآخر ، وما يعزز هذا الشعور هو ما تكشفه الأيام والتقارير من أن العديد من تجارب الأدوية الخطيرة تجرى على الأسرى في سجون الإحتلال ، كما أن هناك العديد من الدراسات تؤكد بأن الأمراض التي تظهر على الأسرى السابقين لها علاقة بالسجن وآثاره ، وقافلة مَن فارقونا من الأسرى السابقين طويلة و طويلة جداً يا صديقي ونستذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر فايز بدوي ، خليل الجديلي ، ابوالنمر ابوياسين ، محمود أبو مذكور ، صالح دردونة ، عبد الوهاب المصري ، وليد الغول ، أحمد خضرة ،  سعيد شملخ ، محمد اعتيق شيبوب ، مسلم عبد القادر الدودة ، هايل أبو زيد من الجولان ، عبد الرحيم عراقي من الطيرة ، إسماعيل  دبج ، محمد صالح السيقلي ، وليس آخرهم محمد نعيرات " أبو رفعت"  ومراد أبو ساكوت .

    ففراق الأحبة أمر مؤلم للغاية ، والمؤلم أكثر هو فراق الأحبة وشركاء المعاناة ورفاق النضال في آن واحد .

 

    ولكن والله ما يحزنني حقاً وما أخشاه أن يرحل عنا هذا الجيل الذي يختزل في ذاكرته قصص لم تُحكى بعد ، وروايات لم تكتب من قبل  ، هذا الجيل الذي صنع تاريخاً ساطعاً لن يتكرر  ، أخشى أن يرحل كل هؤلاء دون أن نوفيهم حقهم أو أن نوثق أمجادهم ، ودون أن ندون قصصهم وحكاياتهم ، و أن نحرر ما بذاكرتهم من أحداث مأسورة ... وكلما جلست معهم تسمع قصصاً جديداً محط فخر واعتزاز....

   أخشى برحيلهم أن يندثر ذاك التاريخ .. وحينها لا تنفع قصائص الورق المبعثرة هنا وهناك ، كما لا ينفع الندم .

 

 لكن لا بأس يا عزيزي .. فأنت وأمثالك من الرعيل الأول حفرتم تاريخاً لم يمحَ ولن ينسى أبداً ، تاريخٌ كتب بالدم والمعاناة وصنع الهوية الفلسطينية المستقلة ، ومن رحل منكم بقيت وجوههم مبتسمة في عيوننا وأصواتهم تتردد في آذاننا، ووصاياهم ماثلة أمامنا ويموت الناس ولا يموت الشهداء.

 

 فالموت  يا عزيزي حق علينا ولكن بالفعل نحن الأسرى السابقون كما تقول " العمر لا يكفي لأحلامنا " ، فالمئات فارقوا الحياة دون أن يروا وجهها الآخر ، والآلاف يعانون أمراضاً مزمنة تفوق مرارة الأسر ، وعشرات الآلاف تنتظر إما هذا أو ذاك  ، لهذا نتوقع كل شيء ، وهذا قدرنا ...

 

 لكن المهم أننا نعمل ويجب أن نعمل في سنوات حياتنا القصيرة ما يمكن أن يكون طويلاً ومعمراً بعد مماتنا ... " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " .

 

نحن الأسرى السابقون وبالرغم من مرارة الحياة التي نعانيها وما تحمله أحياناً من مفاجئات مرة ، إلا أننا  فخورون جداً بأننا قدمنا شيئاً من الواجب الوطني حتى وإن كان الثمن زهرة  شبابنا وسنوات من عمرنا خلف القضبان ، ولا يساورنا الندم ولو لبرهة واحدة، فخورون بأننا صُقلنا في مدارس وجامعات الحركة الوطنية الأسيرة .

 

 فخورون بأننا جُعنا  ولم تَجوع  المبادئ فينا ولو مرة واحدة ، وحَنَّينا كثيراً إلى خبز وقهوة أمهاتنا ، ولم نَحِنْ للتراجع والركوع ولو لبرهة واحدة ، تحدينا الجلاد بسلاح الجوع والعطش وسقطت أجساد عبد القادر أبو الفحم واسحق مراغة وحلاوة والجعفري ولم تسقط المبادئ .

 

نحن الأسرى يا صديقي رياحين نبتت بين الصخور ، وشموع أُضيئت في ليلٍ دامس ، فليسقط منا ما يسقط وليرحل عنا ما يرحل ، فقضيتنا  شمس لا ولن تغيب أبداً .

مع احترامي وتقديري

عبد الناصر عوني فروانة

15/1/2007

لقراءة مقال " الأسرى والموت " للصديق الكاتب د.عدنان جابر