أم جبر وشاح " عميدة أمهات الأسرى " .. كلمة حق ووفاء

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

Ferwana2@yahoo.com

19-7-2008

تشرفت  ذات مرة بلقاء " أم سمير القنطار " في بيتها بقرية عبية في الجنوب اللبناني ، كما وتشرفت بلقاء أم سمير بالتبني " أم جبر وشاح " مراراً في قطاع غزة ، وما بين الإثنتين قواسم عديدة .

فالأولى وبصراحة فاجأتني حين لقائها ، بمعنوياتها العالية و بحجم الإرادة والعزيمة التي تتسلح بها ،  و بكلماتها التي عكست قناعتها الراسخة بحتمية عودة سمير الى حضنها في أية لحظة .. قناعة تأكدت وأمل تحقق بعد انتظار امتد ثلاثين عاماً  .

والثانية أمنا جميعاً " أم جبر وشاح " التي لا تقل صلابة وعزيمة عن الأولى ، بل قد تفوق عنها وعن الملايين من هذه الأمة ، فهي ورغم كُبر سنها تعكس صورة الفلسطيني ، بل العربي الواثق بحتمية الإنتصار والعودة الأكيدة ، الماضي بخطوات واثقة نحو المستقبل المشرق ، المؤمن بشمس الأسرى التي لابد وأن تشرق .

وما بين أم سمير وأم جبر ، ما بين  لبنان وفلسطين ، و قرية عبية بالجنوب اللبناني ومخيم البريج بقطاع غزة ، التقت الأحبة وتلاحمت المشاعر وامتزجت الأحاسيس ، تلاقت التطلعات والأهداف ، وتشابكت الأحلام والآمال ، فهنيئاً لكلتا الأُمَيين ولنا ولأمهات الأسرى عموماً تحرر سمير .

أم جبر .. كلمة حق ووفاء

وعودة على بدء " فأم جبر وشاح " يصعب ايفائها حقها ويُستحال التوفيق في انتقاء الكلمات التي تستحقها .. وهذا ليس اطراءً أو مجرد مجاملة ، بل كلمة وفاء لمن أوفوا لقضية الأسرى ، فأم جبر لم تكن أم لإبنها الأسير الرائع جبر الذي أمضى خمسة عشر عاماً في سجون الإحتلال ، وهي لم تقطع أواصر العلاقة مع الأسرى وجذور الإنتماء لقضيتهم بمجرد تحرر ابنها منتصف التسعينيات ، كما انني على يقين بأنها لم ولن تقطع جذور تلك العلاقة بمجرد تحرر ابنها الثاني " سمير القنطار " فانتمائها لقضية الأسرى فاق كل التوقعات ، فتجاوز حدود الخاص الى العام ، وانتقل من المرحلي الى الإستراتيجي ، فكان انتمائها أبدي ومصيري ، رغم تجاوزها السبعين عاماً من العمر ، لتؤكد حقيقة  بأنها ليست أم لجبر وسمير فحسب ، بل هي أم لكل الأسرى الفلسطينيين والعرب ...

واذا كان سعيد العتبة عميد الأسرى الفلسطينيين ، وسمير القنطار عميداً للاسرى العرب والشهيدة دلال المغربي " عميدة الشهيدات " فان أم جبر وشاح هي عميدة أمهات الأسرى عموماً .

" عميدة أمهات الأسرى " ، " أم الأسرى " " ناطقة باسم الأسرى " ، ألقاب كثيرة حصلت عليها ، ولم تنلها مجاملة لإبنيها جبر وسمير .. وانما لأنها استحقتها عن جدارة وتستحق أكثر من ذلك بكثير ، ومن حق أبنها التي أنجبته وأرضعته أن يفخر بها ، ومن حق  سمير أن يفخر بأمه التي لم تلده ، فمن لم يعرف أم جبر ، لا يعرف ولم يسمع من قبل عن معاناة أمهات الأسرى ونضالاتهن وصمودهن وحكاياتهن المريرة ، ومن حق شعبنا بأن يفخر بأن لديه " أم جبر " والعشرات بل المئات من أمثالها ..

" أم جبر وشاح " بدأت حكايتها مع السجون منذ قرابة ثلاثة عقود من الزمن  ، ومن قبلها مع الثورة والثوار ، فتتقلت من هذا السجن الى ذاك ، تارة لزيارة " جبر " وتارة أخرى لزيارة " سمير " ، وفي أحيانٍ كثيرة الإثنين معاً ، وفي أحيانٍ أخرى زيارة آخرين من الأسرى العرب ، وما يرافق تلك الزيارات من سفر شاق لمئات الكيلومترات وألم ومعاناة ، فانتمت بصدق وطواعية للحركة الأسيرة دون أن تُعتقل ، والتحمت بقضية الأسرى دون تردد ، وعملت مرسالاً وساعي بريد للأسرى جميعاً ، وكانت سنداً قوياً لهم ، وأعطت ولا زالت تعطي الكثير دون أن تمتلك المؤهلات الأكاديمية أو الإمكانيات المادية أو حتى القدرات الصحية ، فلقد تعالت على أمراضها وهمومها وآلامها ، ولا زالت تعطي رغم هموم الحياة وقساوتها ، وكُبر سنها ، ففاقت بعطائها ونضالاتها مؤسسات كاملة .

وأنا أشهد على ذلك ، فكثيراً ما ترددت الى وزارتنا وزارة الأسرى والمحررين لتتابع أوضاع الاسرى والكانتينا ولمعالجة بعض اشكاليات ومعاناة العديد من الأسرى العرب ، وكثيراً ما التقيت بها في مكتب الأستاذ راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وهي تنقل له معاناة الأسرى والإنتهاكات الخطيرة التي يتعرضون لها ، طالبة منه التدخل لمساعدتهم ، وواظبت على المشاركة في الإعتصام الإسبوعي أمام مقر الصليب الأحمر الدولي بمدينة غزة ، في وقت تخلف فيه الكثيرون من الأسرى السابقين والقادة والفصائل ، ولم تتوانَ للحظة في المشاركة في الفعاليات والندوات واللقاءات المساندة لقضايا الأسرى ، وكانت خير المتحدثين عن الأسرى .

وبايجاز فأينما وجدت قضية الأسرى كانت " أم جبر " حاضرة ، وأينما وجدت " أم جبر " حضرت قضية الأسرى بكل ما يعني ذلك من معاني ، فهي خير من مثَّل الأسرى وتحدث عنهم وعن معاناتهم ، بلغتها البسيطة ولهجتها العامية الأقرب والأسهل للوصول الى القلوب والعقول  .

" أم جبر وشاح " أكتب كلماتي هذه بخجل كبير مما تقدمينه من نضال دؤوب وعطاء لا ينضب لأجل الأسرى ، نعجز نحن في أحيان كثيرة عن تقديمها ، لهذا أخشى أن لا أوفيك حقك ، فاعذريني يا أماه وسامحيني لفشلي في انتقاء الكلمات التي تستحقينها وفاءاً وتكريماً لنضالاتك وتضحياتك ومواقفك البطولية التي عجز عن تسطيرها الكثيرين من الرجال والشباب الأقوياء الأصحاء ، أصحاب الأماكن المرموقة والكراسي المتحركة  .

لكن تقبلي مني عهداً بأن لا نتركك وحدك في الميدان ، وأن لا نترك الأسرى وحدهم يقارعون السجان ، وخير ما نوفيك به هو تشبثنا بما تعلمناه منك ومن أبنائك جبر وسمير وأن نمضي على نهجكم وأن نواصل تبنينا لقضايا الأسرى عموماً متتسلحين بأمل زرع ولا زال وسيبقى فينا ... أمل لا بد وأن يتحقق .. فكما عاد بالأمس سمير ومن قبله جبر ، سيعود غداً كافة الأسرى الى بيوتهم وذويهم وشعبهم .. آمل من الله عز وجل أن يمنحك الصحة والعافية وطول العمر وان يجمعك قريباً بأم سمير وبالمنتصر سمير القنطار ... .

* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الاسرى والمحررين

 

أرشيف مقالات الكاتب