في يوم الأسـير الفلسـطيني ...

 

بقلم / عبد الناصـر عوني فروانـه

17 ابريل 2003

لوحة التفاعلات الخاصة بنا تستفزنا في الكثير من الأحيان ، تستفز تفكيرنا وتدفعنا للكتابة وهناك من تدفعهم الى أكثر من الكتابة .. ! وان كتبنا لا نوفق ولا يمكن لنا أن نوفق في رسم الصورة المريرة والتي تفوق بمرارتها ما يتخيله العقل وما يمكن ان يخطه القلم فالمعاناة أكبر منا جميعاً وأكبر من أن توصف.

   ويطل علينا السابع عشر من نيسان هذا العام ليدق في جدران ذاكرتنا - إن نسينا - بمطرقة من الحديد الصلب ليعيد شريط الذكريات للوراء وشريط الأحداث المتتالية ويسلط الضوء على  إحدى أشكال معاناة شعبنا ..  معاناة الآلاف ومن قبلهم مئات الآلاف من الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون والمعتقلات الاسرائيلية ومعهم ذويهم وأسرهم وأطفالهم وحتى أصدقائهم ، إنها معاناة شعب بكامله  ..    فاسرائيل ومنذ احتلالها للاراضي الفلسطينية اعتقلت مئات الآلاف من الفلسطينيين  ليس لشئ فقط لأنهم فلسطينيين أولاً ومناضلين ضد الإحتلال وما يمثله من ظلم وقهر وإضطهاد  ثانياً .. ومطالبين  بالحرية والإستقلال مطالبين بهوية ووطن وعلم ثالثاً .. ومع ذلك لم ولن تستطع أن تقضي على إنسانيتهم وفلسطينيتهم وإنتمائهم للوطن والقضية فأسرانا متسلحين بالإرادة والعزيمة ، بالقناعة الثابتة بحتمية الإنتصار ومن هنا يستمدون سر صمودهم .

   ومنذ اتفاق أوسـلو وما تبعه من مرحلة هدوء نسبي - إن جاز التعبير -  والإفراجات السياسية   التي درجت ضمن إستحقاقاته ، تقلص عدد الأسرى والأسيرات الى حوالي 1400 تقريباً ( وبقى منهم لحتى الآن 980 أسير تقريباً منهم810 من الضفة والقدس ومناطق الـ48 +170 من قطاع غزة ) ومع إندلاع إنتفاضة الأقصى الباسلة 28 سبتمبر 2000 عادت إسرائيل الى سياستها القديمة الجديدة وشنت حملة إعتقالات واسعة جداً طالت كل المدن والقرى الفلسطينية بما فيها المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة وزجت الآلاف من الفلسطينيين في السجون والمعتقلات حتى وصل عدد حالات الإعتقال الى أكثر من 35 ألفاً خلال إنتفاضة الأقصى ويوجد الآن في السجون ما يقارب من 6800  أسير (( 1500 معتقل ادارياً + 1600 محكومين +3700 موقوفين )) ومن بينهم 63 أسيرة ( قبل الإنتفاضة 4 أسيرات فقط )  و330 طفلاً ,

 ويوجد الآن في السجون  297 أسيراً أمضوا أكثر من 10 أعوام ومنهم 80 أسير أمضوا اكثر من 15 عاماً و12 أسير أمضوا أكثر من 20 عاماَ وفي مقدمتهم الأسير العربي اللبناني القائد سمير قنطار والمعتقل منذ 24 عاماً ، و4 أسرى أمضوا أكثر من 25 عاماً وفي مقدمتهم الأخ المناضل أحمد جبارة أبو السكر وهوأقدم أسير الآن ومعتقل منذ 27 عاماً، وكل هؤلاء لازالوا في الأسر ، ونتيجة للإعتقلات الجماعية ولإستيعاب تلك الأعداد الهائلة أقدمت سلطات الإحتلال علىإعادة إفتتاح العديد من المعتقلات مثل عوفر وأنصار3 في صحراء النقب ( كيتسعوت )  ..

 

   ونشير بأن أسرانا اليوم يعيشون ظروفاً لا إنسانية فاقت في لا إنسانيتها كل المراحل السابقة من عمر الإحتلال ، فهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والممارسات اللاإنسانية ولأفظع صور المعاناة والقهر .. فالشروط الحياتية صعبة للغاية ، والأكل والغذاء سيء وشحيح كماً ونوعاً ، والعناية الطبية شبه معدومة مما يعرض حياتهم دوماً للخطر ودليل على ذلك إستشهاد الأسير وليد عمرو في سجن نفحة قبل عام تقريباً.. وزيارات الأهل نادرة جداً وكذلك زيارات المحامين .. بالإضافة لحملات التفتيش والقمع المستمرة تحت ذرائع وحجج واهية ، واستمرار سياسة العزل في زنازين إنفرادية ولفترات طويلة والتي تهدف الى قتل الأسير بشكل منظم ومبرمج ومدروس ...

وأوضاع أسرانا ومعتقلينا السيئة قد لا تقارن إذا ما قيست بجرائم إسرائيل في جنين ونابلس , في الخليل وغزة والدرج خلال إنتفاضة الأقصى حيث جرى قتل المواطنين بدم بارد وهدم بيوتهم وجرف اراضيهم ، إنها محاولة لخنق وقتل وتدمير مقومات الشعب الفلسطيني واجباره على الإذعان للاملاءات الإسرائيلية ، فإسرائيل تدمر كل شي وحتى أوامرها العسكرية السابقة بهدف خدمة أهداف حالية فهي تدمر كل القرارات الدولية .

   ومئات الآلاف من جماهير شعبنا ذاقت مرارة الأسر وقساوة السجان ، ولا يعقل أن نبقي أسرانا لوحدهم يعانون دون أن نحرك ساكناً ، هؤلاء الأسرى الذين سطروا صفحات مشرقة في تاريخ سجناء الحرية في العالم وقدموا نموذجاً يحتذى ، ولا نبالغ إن قلنا انهم يأتون بالدرجة الثانية من حيث القدسية بعد الشهداء ،وهم فعلاً شهداء مع وقف التنفيذ وهم جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني بل وجزء أساسي  ومؤثر أيضاً في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ، ومن هنا نناشد جيش الأسرى المحررين وعموم جماهير شعبنا الآبية التي أنجبت هؤلاء الأبطال بأن يدقوا جدران الصمت ولينتفضوا ويساندوا أسرانا فهم بحاجة الى جهدنا ، عملنا ، نضالنا ، تحركنا ، كلمتنا .. فلننهض وندق جدران الخزان وإلا سيموتوا بل وسنموت معاً وحينها لن ترحمنا الأجيال القادمة كما نحن لم نرحم من ماتوا قبل عقود من الزمن دون أن يدقوا جدران الخزان ..  فلا كرامة لأمة لا تقدس شهدائها ولا تناضل من أجل تحرير أسراها فلنضحي من أجل من ضحوا من أجلنا  .

 

   وما يحدث من تعتيم اعلامي على اوضاع المعتقلين الفلسطينيين والعرب لا يبرر وخصوصاً في العالم العربي .. فكافة المؤسسات الإعلامية في العالم العربي والإسلامي مطالبة بالتدخل لإحياء موضوعهم ، كما من واجب كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية والعربية والدولية التدخل الفوري لإنقاذ أسرانا ومعتقلينا  ، فواقع أسرانا وظروفهم وحياتهم تتناقض بشكل كامل مع كافة الإتفاقيات والمواثيق والأعراف الدولية .. فأسرانا رقماً يزداد كل يوم بل وكل ساعة وتزداد معانانهم ويتسع جرحهم شرخاً، وتظل قضيتهم تراوح مكانها بانتظار المجهول .. الأمر الذي يحتاج وعلى وجه السرعة الى ثورة إعلامية أولاً ثم يواكبها خطوات اخرى  .

 

والمجد للشهداء والشفاء للجرحى والحريه لأسرى الحريه