في ذكرى يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب ..

العزل في السـجون الإسرائيليـة !!

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

20حزيران 2004

 

    طلب مني أحد الزملاء أن أكتب شيئاً عن التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بمناسبة يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب حيث  بدأت إتفاقية مناهضة التعذيب بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م ، وذلك لنشره في نشرتهم المحلية ، لم أتردد في الكتابة لكني إحترت عن ماذا أكتب ؟؟ فللتعذيب أنواع  ولم يقتصر إستخدام أشكاله المتعددة على أقبية التحقيق أو في غرف السجون بل طال ذوي الأسير وأطفاله ونسائه وحتى جيرانه وأصدقائه فكل هؤلاء عانوا ولا زالوا يعانون من التعذيب ، ومن الخطأ الفادح أن يقتصر التفكير في أنّ التعذيب يمارس فقط ضد المعتقل ، وحتى في إطار ذلك من الخطأ أن يقتصر الحديث عن التعذيب في أقبية التحقيق فالأمر لا يتوقف على هذه الفترة ، فالتعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية يبدأ من لحظة الإعتقال وحتى لحظة الإفراج وخلال تلك الفترة يتعرض المعتقل لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي  وهناك العشرات من أساليب التعذيب التي تعرض ويتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون والعرب في زنازين التحقيق  ومنها على سبيل المثال لا الحصر : الشبح ، الهز العنيف ، تكسير الضـلوع ، الحشر داخل ثلاجة ، الإيلام الجسـدي المباشر ، الضرب والصفع على الوجه وعلى المعدة ، الضغط والضرب على الخصيتين ، التعري والتحرش الجنسي والتهديد بالإغتصاب ، الحرمان من النوم والطعام والشـراب ، التعريض للبرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة .. إلخ وخلال فترة الإعتقال يتعرض المعتقل للضغط النفسي والمعاملة القاسية والإستفزازية والإعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص والحرمان من الزيارات والإهمال الطبي وإلخ .

وإذا كانت أساليب التحقيق والتعذيب العديدة والمتنوعة والمشرَّعة من قبل القضاء الإسرائيلي المجرم معروفة للجميع ، حيث أن كل من اعتقل تعرض لها أو لجزء منها ، لكن هنالك شكلاً آخر من التعذيب قد لا يعرفه الكثيرون أو قد لا يكون قد تعرض له سوى القليل ممن إعتقلوا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ألا وهو التعذيب النفسي المتمثل في سياسة العزل بعد إنتهاء التحقيق وحتى بعد إصدار الأحكام الجائرة ، و الهدف هو إذلال الأسير وقتله بشكل منظم ومبرمج ومدروس .

 ووجدت من الأهمية بمكان أن أكتب لزميلي وللقراء من جديد عن هذا الإسلوب القاتل على الرغم أنني كتبت حول هذا الموضوع العام الماضي ولكني صراحة وجدت من الأهمية إعادة الكتابة حول نفس الموضوع لأنني لم أجد من المقالات والدراسات سوى نادراً جداً ما يتحدث عن ذلك .

العزل في السـجون الإسـرائيلية

كل شيء مختلف تماماً عن باقي السجون ، فالعزل يعتبر من أقسى أنواع التعذيب والعقاب الذي تلجأ إليه إدارة السجون الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين حيث يتم إحتجاز الأسير بشكل منفرد لفترات طويلة من الزمن تتجاوز السنوات ، لا يُسمح له خلالها بالإلتقاء بالأسرى مما يسبب له مضاعفات صحية ونفسية خطيرة وذلك في غرف صغيرة تعرف بالإكسات ومقفلة بإحكام بباب حديدي سميك يزيد عن 13 سم وفيه فتحة صغيرة وهي مخصصة لإدخال الطعام وإلقاء الأوامر من الشرطي أو تقييد المعتقل بالقيود الحديدية قبل إخراجه من الإكس لأي غرض ، وفي كل غرفة سريران من الحديد فوق بعضهما وكل واحد يصعد على السرير يجب أن يبقى مستلقياً أو متكئاً لأن إرتفاع الغرفة لايزيد عن مترين ويمنح كل سجين فرشة ليضعها على السرير وثلاث بطانيات ، ويوجد في الغرفة مغسلة صغيرة 15x20 سم بجانب المرحاض ويشغلان نحو ربع مساحة الغرفة .

 

 والزنزانة معتمة ورديئة التهوية وأشعة الشمس لا تعرف للإكسات طريقاً و مساحتها ضيقة لا تتجاوز ( طول ثلاثة أمتار بعرض مترونصف ) ومنها أصغر من ذلك ، ليس هذا فحسب بل يضاف إليها سوء التغذية والحرمان من بعض المزايا التي يسمح بها في السجون الأخرى مثل إدخال بعض الأطعمة عن طريق الأهل كالزيت والشاي والمرمية ، وآليات الإتصال معدومة من تلفاز ومذياع وصحف وحتى الساعة التي يعرف فيها الوقت ممنوعة ، وتعاني أقسام العزل من نقص كبير في النظافة ، وبالتالي رائحة العفن تفوح من الفراش والحرامات ، كما ولا يتلقى المرضى منهم رعاية صحية كافية وقد تنعدم أحياناً ، وفي الحالات التي يضطروا فيها الى اخراج احد المرضى للعيادة فيتم تكبيل يديه ورجليه وأحياناً يُعتدى عليه بالضرب من قبل الحراس، وهناك من نزلاء العزل ما ظهرت عليهم أمراضٌ خطيرة مثل التشنج والغيبوبة ومرض القلب وحالات هستيرية  ، وداخل الإكسات يمنع الكلام بصوت عالي وبالتالي يمنع الغناء والنشيد ، وفي الحالات النادرة التي يسمح فيها بزيارة الأهل تمتزج هذه الزيارات بالمضايقات والاستفزازات والإهانة و إرهاب الكبار والصغار من الأهل ، نعم انه ارهاب فكري ونفسي وجسماني مبرمج يمارس ضد السجين وذويه.

 

وسياسة العزل ليست مرتبطة بحقبة زمنية معينة بل أنتهجت ومورست على امتداد الأسر في السجون الإسرائيلية كنهج منظم ، و إزدادت شراسة مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينيةالأولى ( 1987 – 1994 ) وإزداد عدد الأسرى المعزولين ، كما وأنه طرأ إزدياد على فترة العزل ولم تقتصر على أيام وأسابيع كما كانت في بداية تطبيقها بل إمتدت لشهور وسنوات حتى بات حلم بعض الأسرى المعزولين ليس التحرر بل العودة الى رفاقهم وإخوتهم في غرف السجون ، ولم تكتفِ إدارة السجون بأماكن وزنازين العزل الموجودة أصلاً في كافة السجون بل أقدمت على إفتتاح أقسام خاصة بالعزل مثل عزل سجن نفحة الصحراوي وعزل السبع " أهلي كيدار " والذي افتتح عام 1992 م ، وعزل الرملة " نيتسان " وافتتح خلال الإنتفاضة الأولى وتحديداً عام 1989م ، وهو أحد أماكن العزل الرهيبة ويقع تحت الأرض ، والرطوبه فيه عالية جداً لدرجة العفن ، وتصطف زنازينه على صفين يفصلهما مردوان تتعلق في سقفه أنابيب مجاري الأقسام العلوية التي تطفح على الدوام وتنفث منها رائحة كريهة  .

 

وتهدف إدارة مصلحة السجون من وراء انتهاج سياسة العزل إلى إضعاف الحركة الأسيرة ككل ، وفي كل سجن على حدا ، وذلك من خلال عزل الأسرى أصحاب المكانة القيادية و التجربة الإعتقالية العميقة والغنية  والحد من تأثيرهم على بقية الأسرى وبالتالي محاولة لخلق حالة مستمرة من الإرباك في صفوف الأسرى الأمر الذي يساعد إدارات السجون – من وجهة نظرهم – في تمرير سياستهم القمعية ، كما وتستخدم عزل الأسرى كعقاب وانتقام منهم لما قاموا به من عمليات فدائية مميزة أسفرت عن مقتل إسرائيليين ، ليس هذا فحسب بل وتهدف إلى إلحاق الأذى النفسي والمعنوي والجسدي بالأسرى وتحطيمهم معنوياً ونفسياً وحتى جسدياً وكسر معنوياتهم وفرض عليهم سياسة القبول بالأمر الواقع .

هذا غيض من فيض فأقسام العزل هي علب القتل البطيئ أو بدائل المشانق ، وخير وصف على ذلك اللوحة المرفقة التي رسمه أحد الأسرى المعزولين….

 

 وفي الختام أقول بأنه بعد أيام وفي السادس والعشرين من حزيران يصادف يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب .. فهل من أحداً في العالم ممن يدعون الديمقراطية وحقوق الإنسان يساند ضحايا التعذيب الإسرائيلي ، ولديه ما يفعله لمناهضة التعذيب المشّرع في السجون والمعتقلات الإسرائيلية  ؟؟