فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

سجل في مفكرتك بين الحمام والمكنسة وجورنو

يبدو آن من الصعب بمكان على من تربى على الحقد والكراهية وروح القهر والقتل

واضطهاد الآخرين وسلبهم حريتهم وحقهم في الحياة ،أن يغير مسارات حياته وطرق

تفكيره وأساليب تعامله،بضربة سحرية من عصا موسى،لان انعدام الحس الإنساني ،

لدى هؤلاء المحسوبين ظلما على بني البشر،هو ما يدفعهم باستمرار إلى الجدية في

محاولات تعذيبنا وحرماننا من ابسط حقوقنا التي نصت عليها كل الشرائع السماوية

وكل قوانين الشعوب والامم المتحضرة،فقد كانوا يتفننون في ابتكار الوسائل والأساليب

المختلفة وتطبيقها علينا..

في هذه الرسالة،سوف أحدثكم عن إحدى هذه الأساليب الهمجية التي كانوا يمارسونها

منذ بداية وقوعنا في الأسر..ألا وهو حقنا في الاستحمام بالماء الساخن..وأرجو أن لا

تستهينوا بذلك،وان لا تعتبروه موضوعا للتندر ،أو امرأ تافها أو مغالى به،لأنه ببساطة

يعتبر جزءً من سياسة عامة ،وضعت ورسمت تفاصيلها،بإشراف اعلي المستويات

السياسية والاجتماعية والأمنية وعلماء النفس والخبراء..وهي تهدف بمجملها إلى كسر

إرادة النضال فينا ، وتحويلنا إلى أشلاء خالية من كل معنى وهدف ،ومفرغة من كل

مضمون.

الحمام هو الوجبة الساخنة من المياه الحارة،المسموح لنا بها مرة واحدة كل أسبوع،

من خلال إخراجنا في مجموعات مكونة من (10-15) مناضل أو يزيد-أحيانا- وفق رغبة

السجان ،إلى غرفة مستطيلة الشكل،بها عدد من القواطع التي لا يزيد ارتفاعها عن المتر

ونصف المتر..ليس لها أبواب أو شبابيك ولا يغطيها أي شئ،ومفتوحة على مصراعيها،

تحت ذرائع كثيرة ، أهمها التسهيل عليهم من اجل مراقبتنا ومنعنا من التفكير بالهرب ،

يدخلوننا إليها ، وعلينا أن نتدبر أمرنا في كيفية أن يأخذ كل مناضل ولو

قسط ضئيل من الماء الساخن ،في وقت زمني لا يتعدى العشر دقائق، حيث يقف

الحراس قبالتنا ويبدأ مسئولهم بالنظرإلى ساعة يحملها

بيده ، والعد بصوت مرتفع ، اخاد (واحد) اشتايم (اثنان) شلوش (ثلاثة) ......الخ

إلى أن يصل إلى نهاية – أو بداية- رقم عشرة ، حيث يعطي أوامره لأحد الحراس

بإغلاق المفتاح الرئيسي ، دون أن يهمه إن استحمينا أم لا ، أو إن أنزلنا بقاء

الصابون عن أجسادنا أو بقيت .........

وقد ارتبط اسم الحمام هذا باسم شخص قميء يدعى (جورنو) وهو قصير القامة

ممتلئ قليلا له ملامح الخنزير

(مع اعتذاري للخنازير)، اكتشفنا انه كان يلف جسده – وخاصة مؤخرته-

بقطعة بطانية ، ولا نعرف لذلك سببا .......

إضافة لذلك علمنا من احد مصادرهم انه كان لقيطا وليس له أهل أو

والدين معروفين... وانه قد تربى

وتعلم في إحدى المدارس العنصرية الحاقدة ، وقد كانت لديه عقدة من

الأشخاص طويلي القامة بحكم قصر قامته .

وكنا نتندر عليه كثيرا خاصة انه  صاحب عبارة مشهورة (أنا غب غبك ) وتعني

(أنا رب ربك) وهو المسئول عن الحمامات واستحمام الأسرى الأسبوعي وهو

عنيف ودموي معنا خاصة حين يضع القيود في أيدينا من الخلف .......

فتصوروا أننا نخرج إلى الحمامات ولا نملك سوى غيار داخلي واحد ، وغير

مسموح لنا بامتلاك ليفه حمام وليس لدينا غير بقايا قطعة صابون توزع

علينا مرة واحدة كل شهر وهي من النوع الرديء ولها رائحة كريهة ، وكأنها

صنعت لنا خصيصا ...... وفي غرفة وجهوالها تهمة غرفة الحمامات ، وقد حكمنا

عليها بالبراءة ... لانه لم تتوفر أية أركان للتهمة ، مكشوفة ، وأمام أعين الحراس

اللذين يتلذذون على رؤية بعض الأشياء .... وبوقت لا يتجاوز في أفضل حالاته ،

العشرة دقائق، وفي عدد قليل من القواطع الضيقة التي نوزع أنفسنا عليها بمعدل

اثنان أو ثلاثة أسرى للقاطع الواحد ....

ناهيكم عن قضيةاساسية أخرى كانت تواجهنا ، وهو كيفية تنظيف أجسادنا من آثار

العرق والغبار وبعض الزواحف الصغيرة التي تختبئ هنا وهناك وتمتص من

دمنا متى طاب لها ذلك وشهيتها مفتوحة دائما وقد تكون متآمرة معهم علينا،ولكن

سرعان ما تفتقت أدمغتنا عن حل – ثوري – لهذه المعضلة التي لا مناص منها

في ظروف كالتي نعيشها وذلك بواسطة الاستيلاء على مكنسة الحمامات السوداء

اللون ، والخشنة بطريقة مؤذية ، لاستعمالها في فرك أجسادنا،ومع كل ما كانت

تسببه لنا من إلام إلا أنها كانت طفرة في عالمنا لا غنى عنها ....

اليست هذه هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يدعون ذلك ؟؟؟؟؟؟

إنهم لا يستحون من حقيقة أنفسهم ، فهم يمارسون قناعاتهم وعنصريتهم وفاشيتهم

دون أي رادع أو واعز من أخلاق .... ببساطة لان فاقد الشيء لا يعطيه وهم يفتقدون

إلى كل شيء أخلاقي وإنساني على وجه الأرض ....

وهنا قد تسمعون عن ثورة نقوم بها لكسر كل حواجز الخوف والقهر وسياسة

القمع والقتل البطيء ، التي تمارس ضدنا لأننا قررنا أن نموت واقفين ولن نركع .....!!!!!

وسيكون لنا حين ذاك لقاء أخر أجمل من هذا ...!!!!؟؟؟

محمود تعمري

(من/أفكار متناثرة من رسائل سرية مهربة)

سجن عسقلان المركزي

أيار:1970