أبعاد قانون التغذية القسرية

 

بقلم/ عبد الناصر فروانة

أسير محرر ، ومختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين

7-6-2014

 

ليست هي المرة الأولى التي يُعلن فيها المستوى السياسي في إسرائيل عن اتخاذ إجراءات عقابية، وخطوات تعسفية بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، أو اللجوء لتحريض المؤسسة الأمنية علنياً لإقرار مزيد من القيود الإدارية للتضييق عليهم وتنغيص حياتهم، أو دفع الجهات القضائية والتشريعية لإقرار وسن قوانين جائرة وأوامر مجحفة للمساس بحقوقهم الأساسية ومصادرتها بما يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان ...!!

فقانون التغذية القسرية وإطعام الأسرى المضربين عن الطعام عنوة، والذي أقر مؤخراً من قبل اللجنة الوزارية للتشريعات، ومن ثم أقر بالقراءة التمهيدية الأولى في الكنيست الإسرائيلي خلافاً للقوانين الدولية، وموافقة المستشار القضائي للمحكمة الإسرائيلية ( يهودا فانيشتاين) يندرج في سياق فهمنا ومتابعتنا لطبيعة المؤسسة الحاكمة في إسرائيل بمركباتها المختلفة وسلوكها الشاذ في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين العُزل القابعين في سجونها، متذرعة بروايتها المضللة بأنها حريصة على حياة الأسرى، بدلا من أن تتجاوب مع مطالب الأسرى وتجد حلولا لأسباب الإضراب والكف عن إجراءاتها التعسفية والقمعية التي تتخذها ضد المضربين عن الطعام.

 

 ولكن الخطورة تكمن هذه المرة، كما في بعض المرات السابقة، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" والذي يمثل رأس الهرم السياسي في إسرائيل، يطالب قبل أيام وبإلحاح بضرورة الإسراع في إقرار القانون المذكور في الكنيست الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة والمصادقة عليه بشكل نهائي ليصبح نافذ المفعول، بحجة أنه في سجن غوانتانامو الأمريكي في كوبا يُطعمون الأسرى عنوة،. ولهذا الأمر أبعاد خطيرة أهمها:

 

-   أن كافة مركبات النظام السياسي في إسرائيل، مجتمعة ومتوافقة وموحدة على الانتقام من الأسرى والتضييق عليهم ومصادرة حقوقهم الإنسانية والأساسية في ظل حملة تحريض غير مسبوقة من قبل رجال الساسة والدين والإعلام في إسرائيل وصلت إلى درجة دعوة أحد الوزراء لقتل الأسرى.

 

-   إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصر ومن خلال مجموعة من الإجراءات على الربط ما بين الأسرى في سجن غوانتانامو الأمريكي والأسرى الفلسطينيين في سجونها، وتشويه صورة الأسير الفلسطيني ونضالاته ومقاومته المشروعة للاحتلال، وتقديمه للعام العالمي بذات الصورة المرتبطة بأذهانهم عن أسرى "غوانانامو".

 

-   انتهاج هذا الشكل من التغذية القسرية يشكل خطراً على صحة وحياة الأسرى، ويعيد للأذهان ما كان يمارس بحق الأسرى المضربين عن الطعام وإطعامهم عنوة عبر ما تعرف بـ "الزندة" في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي أدت إلى استشهاد العديد من الأسرى أمثال راسم حلاوة وعلي الجعفري واسحق مراغة، وما لحق بأذى بصحة عشرات آخرين.

 

-   "التغذية القسرية للأسرى" يعتبر قانون للقمع والقتل العلني وإرهاب للأسرى، وإلحاق الأذى المتعمد بهم، وينطوي إقراره واللجوء لترجمته على مخالفات قانونية خطيرة، ويشكل تجاوزاً ومساساً خطيراً ومتطرفاً حتى بـ "المقاييس الإسرائيلية" وضربة غاية في الخطورة للحقوق الأساسية والدستورية، إذ لا يحترم إرادة الأسير واحتياجاته ومطالبه المشروعة، خلافا للقوانين الدولية التي لا تعطي الحق لدولة الاحتلال باستخدام القوة لإجبار المعتقلين المضربين على تناول الطعام أو إطعامهم عنوة، ومصادرة حقهم في الاحتجاج على اعتقالهم غير القانوني وظروف احتجازهم المأساوية.

 

-   يشكل نقاشه وإقراره بشكل أولي وموافقة المستشار القضائي ومباركة "نتنياهو" له، رسالة تهديد للأسرى المضربين عن الطعام، وورقة ضغط جديدة تستخدمها ضدهم، غير مكتفية بما تمارسه إدارة المؤسسة الأمنية من ضغوطات جسدية ونفسية وإجراءات تعسفية، للجم إضرابهم وثنيهم عن مواصلة إضرابهم وتقليص حدود نطاقه الآخذ بالاتساع يوما بعد يوم، أو على الأقل تحسين الشروط التفاوضية فيما لو قررت إدارة السجون فتح حوار جدي وحقيقي مع المضربين عن الطعام.   

   

ربما تلك هي أبرز المخاطر التي ينطوي عليها إقرار قانون التغذية القسرية من وجهة نظري المتواضعة، مع إدراكنا ومعرفتنا بأنه يطبق من قبل إدارة السجون وبمعاونة بعض الأطباء قبل أقراره بشكل نهائي من قبل الكنيست الإسرائيلي، ولكن بشكل محدود ومع عدد قليل جداً من الأسرى المضربين عن الطعام.

ولكن الخطورة الكبرى تكمن في حال إقراره والمصادقة النهائية عليه بأن ذلك سيعطيه الصبغة والغطاء القانوني وسيمنح ممارسيه الحصانة القضائية مما سيفتح المجال لتطبيقه واستخدامه على نطاق واسع دون محاسبة أو ملاحقة قضائية.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الرابع والعشرين من إبريل/ نيسان الماضي  أعلن ما يزيد عن مائة وعشرين معتقلاً  فلسطينياً يقبعون في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي رهن الإعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة، إضرابا جماعياً عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقالهم إداريا، ومطالبين بالإفراج عنهم وإغلاق ملف اعتقالهم الإداري، ووضع حد لهذا السلوك المدان دولياً ، حيث تُسلب حريتهم ويجري توقيفهم ويستمر احتجاز بعضهم لسنوات طويلة دون معرفة أسباب اعتقالهم ودون أن توجه إليهم أية تهمة أو محاكمة عادلة.

ولم يقتصر الإضراب على هذه المجموعة وإنما اتسع نطاقه وانضم إليه عشرات آخرين من المعتقلين الإداريين والمحكومين أيضا، مما أربك إدارة السجون لا سيما وبعد عشرات منهم تدهورت أوضاعهم الصحية ونقلوا إلى المستشفيات الأمر الذي ينذر بخطر شديد على حياتهم.

فيما اتسعت حجم المشاركة الرسمية والجماهيرية في الفعاليات والأنشطة الداعمة لهم ولمطالبهم العادلة مما شكل عامل ضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى بكل ثقلها لإنهاء الإضراب دون الاستجابة لمطالب المضربين، قبل أن تتصاعد الأمر ويتسع الحراك النضالي أكثر فأكثر داخل وخارج السجون.

 

ومن هنا أعتقد بأن سلطات الاحتلال تجند كل طاقاتها وإمكانياتها ليس للقضاء على الإضراب الجاري  وإفشاله فحسب، وإنما تسعى لكسر إرادة الأسير الفلسطيني وتحطيم نموذج الانتصارات والقضاء على روح المواجهة بداخلهم واستئصال ثقافة مقاومة السجان خلف القضبان بعد نجاح عشرات الإضرابات الجماعية والفردية التي خاضها الأسرى الفلسطينيين خلال الثلاث سنوات الأخيرة وتصاعدها بشكل لافت كشكل من أشكال النضال المشروع وما تمثله من مقاومة وعزة وكرامة لدى الأسير الفلسطيني.

 

في الختام أطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وإدانة قانون "التغذية القسرية" التي تسعى إسرائيل لإقراره بشكل نهائي والتدخل لمنع تمريره وملاحقة من يسعى لتطبيقه، وصون حق الأسرى في الاحتجاج السلمي كحق مكفول لا مساس فيه، والضغط على سلطات الاحتلال وإلزامها باحترام الاتفاقيات الدولية في التعامل معهم، ومطالبتها بالإفراج عن كافة المعتقلين الإداريين الذين يقبعون في سجونها ومعتقلاتها منذ شهور وسنوات دون تهمة أو محاكمة.

 

*عبد الناصر فروانة

أسير محرر ، ومختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين

0599361110

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org