كفاح الحطاب .. سجل سابقة هي الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة

   

 

بقلم / عبد الناصر فروانة

29-5-2011

 

أرشيف المقالات

كثيراً ما طالبنا بضرورة التحرك على المستويات الإقليمية والدولية بهدف تدويل قضية الأسرى ، كي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية والقانونية في توفير الحماية للأسرى  الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي بموجب الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني.

 وكثيراً ما سعينا للتوجه للمحاكم الدولية لملاحقة ومحاسبة مقترفي الانتهاكات ومرتكبي الجرائم بحق الأسرى ، لا سيما وأن " إسرائيل " لا تزال تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والأعراف الدولية أمام مرأى ومسمع العالم أجمع وصمت المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة،  وتعتبر نفسها دولة فوق القانون ، وتصر على حرمان الأسرى من حقوقهم الأساسية ، والتعامل معهم وفقاً لإتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة ، وتمعن في انتهاكاتها وجرائمها .

و لا شك بأن هناك جهود فلسطينية حثيثة تبذل في أكثر من اتجاه للوصول بهذه القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بهدف الحصول على فتوى قانونية أو رأي استشاري يحدد الوضع القانوني للمحتجزين في سجون الاحتلال ، وتحديد طبيعة المسؤولية القانونية التي تفرضها قواعد القانون الدولي على المحتل في هذا الشأن ، وما لهم من حقوق بموجب القوانين الدولية والإنسانية .

سابقة هي الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة

ولكن هي المرة الأولى في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ، التي يقرر فيها أسير فلسطيني انتزاع هذا الحق بمفرده ، فتمرد على السجان ، ورفض الاعتراف بكافة القوانين والإجراءات والأوامر العسكرية المتبعة في سجون الاحتلال ، وأصر على ضرورة التعامل معه كـ " أسير حرب " وما يترتب على ذلك من حقوق واستحقاقات ،  ليعلن بذلك عن بدء المعركة القانونية داخل سجون  الاحتلال .

انه الأسير " كفاح محمد عبد الرحمن الحطاب " ( 51 عاماً ) ، متزوج ، ولديه ابنا اسمه ( قُصى ) في الصف التاسع ، وبنتاً اسمها ( حلا ) وهي طالبة في جامعة النجاح الوطنية ، وعمل طياراً في الطيران الفلسطيني بقطاع غزة ، ومن ثم انتقل للإقامة في طولكرم وعمل مساعدا لمحافظ المدينة المرحوم عز الدين الشريف، ثم تولى منصب مدير الدفاع المدني في محافظة طولكرم حتى اعتقاله في الرابع من حزيران عام 2003 ، ومن ثم صدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد  .

لم يهدأ أو يستكين خاض مع الأسرى العديد من الخطوات النضالية ، وشاركهم الإضرابات عن الطعام أو كما تُعرف بـ " معارك الأمعاء الخاوية " ، وفي ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من ابريل الماضي قرر التمرد على ادارة السجون ليخوض معركة قانونية هي الأولى من نوعها داخل السجون وليُسجل سابقة نوعية وان كانت فردية ، إلا أنها تستحق التقدير وبحاجة إلى دراسة وتمعن ويُصر على انتزاع حقوقه والاعتراف به كـ " أسير حرب " ، ويرفض ارتداء ملابس السجن ، أو المثول لقرارات وإجراءات إدارة السجن وأوامرها العسكرية التي تتناقض مع كافة مبادئ حقوق الإنسان ،.

فأدركت إدارة السجون خطورة الموقف وما يمكن أن يشكله الأسير " الحطاب " ولربما ينسحب موقفه لاحقاً على الجميع ، وبدلاً من أن تعلن اعترافا به كأسير حرب ، أعلنت الحرب عليه وجردته من أبسط الحقوق التي كانت ممنوحة له ، وأقدمت على الإنتقام منه فعزلته في زنزانة انفرادية ، لكنه لم يستسلم أو يتراجع عن موقفه فأعلن الإضراب المفتوح عن الطعام لمدة ( 13 يوماً ) متواصلة ،  بهدف تحقيق مطلبه الذي ينسجم مع القانون الدولي ، ليُسجل سابقة قانونية ونضالية هي الأولى منذ بدايات الاحتلال .

وكثيرا ما قلنا بأن الأسرى بحاجة إلى انتفاضة قانونية ، وأن الطريق إلى المحاكم الدولية بدأت ويجب أن تستمر لضمان توفير حماية للأسرى وإنقاذ حياتهم وضمان توفير حقوقهم  بصفتهم أسرى حركة تحرر وطني قاوموا المحتل في سبيل حق تقرير المصير والحرية في إطار مقاومة مشروعة تكفلها كافة المواثيق والأعراف الدولية .

إلى متى ..؟؟

ولكن السؤال إلى متى سيبقى الأسير " كفاح الحطاب " مستمراً في خطوته النضالية لاسيما وأنه أنهى اضرابه الذي بدأه احتجاجا على عدم معاملته والأسرى كـ'أسرى حرب'،بعدما حقق جزء من مطالبه ( وفقا لما جاء في بيان نادي الأسير ) ؟ وكلنا يدرك كيف تتعامل ادارة السجون مع مثل هكذا حالات وكيف تنكث وعوداتها ..

فهل سيلجأ للإضراب مرة أخرى ؟ وهل سيصمد بمفرده حتى تحقيق ما عجزت عن تحقيقه أجيال وأجيال من الأسرى خلال العقود الماضية ؟ أم سيلحق به الأسرى ويعلنون بدء المعركة القانونية الجماعية داخل السجون وبذلك تتكامل الأدوار ويدعموا الجهود الفلسطينية الرامية لتحقيق ذلك ؟ أم سيبقى الأمر مجرد خطوة نضالية فردية انتهت مع انتهاء الإضراب أم ستنتهي مع مرور الوقت كما تراهن إدارة السجون ؟

أسئلة مشروعة ستجيب عنها الأيام القادمة ، لكن بتقديري الشخصي ، لن يستطيع " الحطاب " بمفرده انتزاع الإعتراف به كـ " أسير حرب " والحصول على حقوقه كاملة وفقا لذلك ، وادارة السجون لن تسلم بذلك بسهولة ، ولكن وبكل الأحوال يُحسب له أنه سجل سابقة نضالية وقانونية ستشكل بدايات لمعركة قانونية قادمة لا محالة .

وحتى يتحقق هدف الأسير الحطاب وهدف الأسرى عموماً ، لا بد من وحدة الموقف والمصير داخل السجون وخارجها .. فلا تتركوا الأسير كفاح الحطاب وحيداً في زنزانته وفي معركته القانونية .. فهو يمثل قضية تهمنا جميعا ووجب مساندته والوقوف بجانبه ، وهو بدأ المعركة وعلينا التفكير جديا في كيفية ديمومتها وصولا لتحقيق أهدافها .

  وفي الختام أرى بأن الأمر ليس سهلا ويتطلب بلورة إستراتيجية قانونية لتوفير حماية دولية للمحتجزين في سجون الإحتلال تضع حدا لاستمرار التعاطي معهم من قبل " إسرائيل " بهذا الاستخفاف والإستهتار واعتبارهم رهائن لقوانينها وتشريعاتها الداخلية ، وعلى المجتمع الدولي أن يحدد مكانتهم القانونية أسرى حرب أم معتقلين أم غير ذلك ، وتحديد طبيعة المسؤولية القانونية التي تفرضها قواعد القانون الدولي على المحتل في هذا الشأن وما لهم من حقوق بموجب القوانين الدولية والإنسانية وعدم تركهم فريسة لإملاء القوة الإسرائيلية ومفاهيمها القائمة على عدم الاعتراف بمشروعية نضالهم ضد الاحتلال .

 

أرشيف المقالات

عبد الناصر فروانة

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية

0599361110

Ferwana2@yahoo.com

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org