الوهم المتبدد" .. حينما عجز الاحتلال عن تحطيم آمال الأسرى بالحرية

أوفت المقاومة لأسراها وصفعت منظومة الأمن الإسرائيلي

 

وكالة قدس برس للأنباء-23-6-2016- بدت الأمور طبيعية فجر الـ 25 من حزيران/ يونيو 2006، الأجواء هادئة جدًا فوق الأرض وعلى طول الحدود الفلسطينية شرق مدينة رفح (جنوب قطاع غزة)، في الوقت الذي عزمت فيه ثُلة من رجال المقاومة على أن تجعل من ذاك اليوم علامة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

تمثّلت خطتهم بحفر نفق في باطن الأرض يمتد من قطاع غزة ويصل إلى عمق أحد المواقع العسكرية التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ عملية باتت تصنّف على أنها إحدى أهم العمليات الفدائية في تاريخ القضية الفلسطينية.

عملية "الوهم المتبدد" .. نفذتها ثلاث فصائل فلسطينية وهي؛ "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكل من "ألوية الناصر صلاح الدين" و"جيش الإسلام"، وأسفرت في حينه عن استشهاد مقاومين فلسطينيين ومقتل ثلاثة جنود إسرائيليين واختطاف رابع؛ هو جلعاد شاليط.

حالة من التخبط والجلبة شهدها الموقع العسكري القريب من معبر "كرم أبو سالم"، والذي تم استهدافه بهجوم مباغت بالقذائف شنّه المقاومون وعينهم على اختطاف أحد الجنود الذين أخرجوه من قلب دباباته وعادوا به إلى قطاع غزة.

انتهت العملية الفدائية وانقشع غبار المعركة؛ فبدأت قوات الاحتلال بعملية البحث عن جنودها لتعلن عن فقدان أحدهم دون تمكنها من تتبع أثره.

 

أبقت فصائل المقاومة على شاليط أسيرا لديها لخمس سنوات قبل خضوع الاحتلال لشروطها المتمثلة أهمها بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني؛ جلّهم من القدامى وأصحاب المحكوميات العالية، في عملية تبادل أطلق عليها اسم "وفاء الأحرار".

 

منهجية إطلاق الأسرى

واعتبر الخبير الاستراتيجي، محمود مرداوي، عملية أسر الجندي شاليط وما تلاها من تحرير الأسرى تجربة غنية بالتأثيرات الإيجابية منذ أن بدأت وحتى إطلاق سراح الأسرى.

وقال مرداوي (أحد الأسرى المفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار)، إن العملية وضعت قضية الأسرى الفلسطينيين منهجيًا في وعي قيادة المقاومة، ليصبح إطلاق سراحهم "تفكير استراتيجي لدى قيادة المقاومة، وتضع كل الإمكانيات تحت تصرفها من أجل إتمامه".

وأشار إلى عملية الوهم المتبدد "رسخت أن الجغرافية لا يمكن أن تحول دون التفكير في عمليات خطف جنود لإطلاق سراح الأسرى". مبينًا أن المقاومة أنجزت صفقة مشرفة "رغم معرفتها بأن قطاع غزة شريط ساحلي ضيق ساقط أمنيًا ولا يمكن الاحتفاظ بالجندي مدة طويلة".

وتابع "إدارة ملف العملية بكافة جوانبه، كانت سليمة وأظهرت العقلية الفلسطينية في التعامل مع هذا الأمر، منذ خطف الجندي وإخفائه وتحمل الضغوط العسكرية والسياسية وكذلك التفاوض".

وأضاف مرداوي "المقاومة نجحت في العامل الأمني وتفوقت على دولة الاحتلال بإمكانياتها التقنية المتطورة وأبقت الجندي المختطف بعيدًا عن الأعين لخمس سنوات في ظل تعقيدات كبيرة جدًا تعرض لها قطاع غزة".

 

دفع الثمن

ورأى أن العملية "انتصار حقيقي" للشعب الفلسطيني ومقاومته وتفكيره، ودليل على أن الشعب على استعداد أن يدفع أي ثمن من أجل أن يطلق سراح أسراه.

وحول تعاملهم كأسرى فور سماع نبأ وقوع عملية الاختطاف، قال مرداوي "اعتقدنا في البداية أنها عملية عادية، مثل بقية العمليات السابقة التي مرت وخطف فيها جنود، ولكن بعدما مرت فترة من الزمن على أسر شاليط عرفنا أن الأمر مختلف هذه المرة"

وأضاف "حينما تأكد وجود جندي في قبضة المقاومة، ولمعرفتنا بواقع قطاع غزة والضغوط التي قد يتعرض لها، وكذلك معرفتنا أن دولة الاحتلال لا يمكن أن تفاوض على جندي وقع في قبضة المقاومة وهذا خط أحمر جعلنا في البداية لا نفرط كثيرًا في التفاؤل".

واستدرك "ولكن بعد ستة شهور من وقوع عملية الأسر أصبحت الأمور واضحة لدينا، وفهمنا أن المقاومة لديها نفس طويل في هذا الملف وهي تعمل على إطلاق أكبر عدد من الأسرى وليس عددًا محدودًا (...) رفعنا سقف التفاؤل وها نحن أحرار خارج أسوار السجون".

ارتفاع سقف المقاومة

وشدد مرداوي على أن سقف المقاومة كان أعلى بكثير من تفكير الأسرى، وذلك لعلمها بإمكانياتها وإدراك الأسرى أن الاحتلال لن يقبل بإطلاق سراح عدد كبير منهم، مؤكدًا أن المقاومة هي التي كانت تبني المواقف وتجبر عليها الاحتلال وليس العكس.

 

من جهته، اعتبر عبد الناصر فروانة، المختص في شئون الأسرى، عملية أسر شاليط بأنها أحدثت تغييرًا جوهريًا في تطلعات وآمال الفلسطينيين عامة، والأسرى وعائلاتهم خاصة.

وقال فروانة لـ "قدس برس"، إن التاريخ الذي أسر فيه شاليط، أبقى عيون الأسرى ترنو صوب صفقة تبادل جديدة تكفل كسر قيد بعضهم، وكان لهم ما تمنوا بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير".

وأضاف "بعد خمس سنوات ونيف على أسر شاليط تمت صفقة التبادل والتي تحقق من خلالها العديد من الانتصارات أبرزها؛ إفشال المقاومة لخيار القوة في استعادة شاليط كما كانت تحلم به إسرائيل وتسعى إلى تحقيقه، وفرض التبادلية وإطلاق سراح ألف و27 أسير وأسيرة بموجب هذه الصفقة (...)".

 

صفقات أخرى

وأفاد الحقوقي الفلسطيني، بأنه وبعد 10 سنوات على أسر شاليط نتمنى أن يكون لدى المقاومة أكثر من شبيه لـشاليط، بما يقود إلى إتمام صفقة تبادل جديدة".

وأكّد أن "إسرائيل بسلوكها الشاذ تجاه الأسرى، ورفضها إطلاق سراحهم في إطار استحقاقات العملية السلمية وتنصلها من الإفراج عن الدفعة الرابعة، إنما تعزز الشعور لدى الفلسطينيين بأن خيار القوة المتمثل في أسر الجنود هو الخيار المجدي والقادر على كسر قيد الأسرى".

وأضاف "لذا فإننا نتطلع بأن يكون لدى حركة حماس في غزة من الأوراق ما يمكنها من تكرار صفقة شاليط بشروط تتجاوز ثغرات الصفقة السابقة، وتكفل الإفراج عن من أعيد اعتقالهم من محرري الصفقة الماضية".

وأشار إلى أن دولة الاحتلال تدرك أهمية هذا الخيار لدى الفلسطينيين ودوره في تعزز صمود وثقافة المقاومة وتعزيز الأمل لدى الأسرى، وأنها تدرك خطورة نجاح مثل ذلك على سياستها وأهدافها من وراء الاعتقال والسجن للمقاومين.

 

المحاولات مستمرة

وأوضح فروانة أن محاولات أسر جنود إسرائيليين ومبادلتهم بأسرى في السجون الإسرائيلية "ستستمر ما لم تغير إسرائيل من سياستها في التعامل مع قضية الأسرى".

وحذر تقرير إسرائيلي يوم الجمعة الماضي من تداعيات وإخفاقات عملية أسر شاليط، معربًا عن خشيته أن تقود لعمليات تبادل أخرى.

واستعرض التقرير، الذي نشره محلل الشؤون العسكرية في صحيفة /يديعوت احرونوت/ العبرية "رون بن يشاي"، وذلك في الذكرى السنوية العاشرة للعملية، تداعيات اختطاف شاليط والصدمة التي أحدثها والتي تسبب في اتخاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "ايهود أولمرت" ووزير جيشه "عمير بيرتس" قرارًا بشن حرب على لبنان بعد أسبوعين، وذلك في 12 تموز/ يوليو من نفس العام.

وأشار إلى الإخفاقات الخطيرة التي توجت بخطف شاليط، والتي بدأت بعجز الجيش عن اكتشاف النفق الذي استخدم بالعملية، وانتقد عدم استخلاص الجيش العبر منذ ذلك الحين وحتى حرب العام 2014 على قطاع غزة، والتي استخدمت خلالها الأنفاق بشكل كبير لمهاجمة أهداف خلف الحدود.

 

العجز الإسرائيلي

واعتبر "بن يشاي" أن عجز أذرع الأمن الإسرائيلية كافة عن العثور على جندي إسرائيلي يبعد مئات الأمتار عن الحدود إخفاقًا خطيرًا آخر.

وقال إن الخلل الأخطر تمثل في إجراء مفاوضات مع حركة حماس على مدار سنوات توجت باستسلام مطلق لمطالب الحركة والإفراج عن 1000 أسير فلسطيني؛ كثيرون منهم حكموا بالمؤبدات، وعاد بعضهم للعمل العسكري فيما بعد.

وأضاف "هذا الاستسلام خلق حالة من العظمة داخل القيادة العسكرية لحماس ما دفعها لمحاولة تكرار خطف شاليط عبر الأنفاق أو أثناء دخول الجيش لغزة، وخطف جثث الجنديين شاؤول اروون وهدار غولدين في الحرب الأخيرة جاء نتيجة مباشرة لصفقة شاليط".

وتابع "من خلال ما نعرفه عن حماس، ومن خلال ما تقوله بنفسها، فهم لا ينوون الدخول للمستوطنات الإسرائيلية عبر الأنفاق، لكن الهدف يتمثل بخطف جنود من داخل مناطق إسرائيل أو من القطاع إذا ما دخل الجيش إلى هناك".

وكانت "كتائب القسام"، قد أعلنت في الثاني من نسيان/ ابريل الماضي، أن في قبضتها أربعة من جنود الاحتلال، ونشرت أسماءهم وصورهم دون إعطاء المزيد من المعلومات، مؤكدة أن أي معلومات حول الجنود الأربع لن يحصل عليها الاحتلال إلا عبر دفع استحقاقات وأثمان واضحة قبل المفاوضات وبعدها، مشيرة إلى عدم وجود أي مفاوضات بهذا الشأن.

وتمكنت المقاومة الفلسطينية من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية وقدامى الأسرى، وذلك بعد مفاوضات غير مباشرة مع دولة الاحتلال برعاية مصرية استمرت خمس سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح شاليط.

 

من عبد الغني الشامي

تحرير خلدون مظلوم

http://www.qudspress.com/index.php?page=show&id=20429