الإبعاد وثقافة القبول، إلى متى ..؟

 

بقلم / عبد الناصر فروانة

23-2-2014

 

"يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من أراضي دولة الاحتلال إلى أراضي أي دولة أخرى ، محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه" وفقاً لما جاء في المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

 

وأن الموافقة على ما يخالف اتفاقية جنيف أمر غير قانوني وفقاً للمادة (8) التي تنص على أنه "لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كلية عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية".

 

أما قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عرف الإبعاد القسري بأنه "تهجير قسري للأشخاص المعنيين عن طريق الطرد، أو غيره من أفعال الإكراه"، واعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها، على أيدي قوة الاحتلال، جريمة حرب.

 

بمعنى أن الإبعاد بشكل فردي أو جماعي، ونفيهم قسراً إلى أماكن بعيدة عن مكان سكناهم،داخل مناطق الأراضي المحتلة أو خارجها و تحت ذرائع وحجج مختلفة، بالإكراه أم موافقة الشخص المبعد، مؤقت ولفترة زمنية محددة أم دائم، في إطار اتفاقيات فردية كانت أم جماعية،وبغض النظر عن ظروفها ودوافعها وآليات تنفيذها، هو سلوك شاذ، ويشكل ممارسة قسرية غير قانونية للأشخاص المحميين، ويُعتبر من أقسى العقوبات المحظورة وغير المشروعة وعقاباً فردياً وجماعياً للمبعدين ولعائلاتهم، وتشتت الأسر وتشرذم العائلة ، وتشرد السكان وتخلق مشكلات سياسية واقتصادية ونفسية واجتماعية يصعب حلها.

 

 وأن الموافقة على الإبعاد بين طرفين في إطار اتفاقية فردية أم جماعية ، على إبعاد أحدهما، ولفترة محدودة من الزمن أو دائمة، (لا) تمنحه الشرعية على الإطلاق ويبقى من حق المبعدين العودة إلى ديارهم وأماكن سكناهم.

 

وإسرائيل أبعدت خلال انتفاضة الأقصى نحو (290) مواطناً من الضفة الغربية والقدس إلى خارج حدود الأراضي الفلسطينية والى غزة، بشكل فردي وجماعي، والغالبية الساحقة منهم قد أبعدوا في إطار اتفاقيات وصفقات فردية وجماعية، وأن غالبية ممن أبعدوا كانت غزة قبلتهم.

 

وغزة كما اعتدنا عليها وكما نتوقع منها دائماً، فتحت ذراعيها واحتضنتهم وستفتح ذراعيها وتحتضن كل من هو قادم إليها من أخوة وأشقاء وأحبة، وأن كافة المبعدين هم محط احترام وتقدير وفخر لكل الفلسطينيين القاطنين في غزة،.

 

 و بدون شك فان غزة تبقى بمساحتها الصغيرة وشاطئها الجميل وتاريخها المشرق هي جزء من الوطن، لكنها ليست كجنين وبيت لحم،  والخليل ورام الله والقدس، ولن تكون بديلاً عنهم، ولن نسمح بأن تتحول إلى منفى وسجن كبير لهم، ومن الخطأ اعتبار الإبعاد إلى غزة بأنه أمر عادي ومقبول، حتى ولو افترضنا أن المبعدين لم يشعرُ فيها بأي شكل من أشكال الاغتراب، أو أنهم شعروا فيها بالطمأنينة والأمان، كما ومن غير المقبول التعامل مع الإبعاد إلى غزة على أنه إنتصار، فالانتصار الحقيقي من وجهة نظري يتمثل بالعودة إلى ديارهم وذويهم وأماكن سكناهم والعيش في كنف أسرهم .

ويبقى للإبعاد إلى غزة آثاره السلبية الوخيمة على كافة الصعد النفسية والاجتماعية والمعنوية والاقتصادية والسياسية، حتى ولو توفرت أفضل وأرقة الشروط الحياتية.

 

إن ثقافة القبول بـ "الإبعاد" مقابل الإفراج، هي ثقافة جديدة بدأت تغزو ثقافتنا وثقافة قياداتنا وشكلت ظاهرة في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ العاشر من مايو/آيار عام 2002 وهو اليوم الذي أبعدت فيه سلطات الاحتلال تسعة وثلاثين مواطناً فلسطينياً كانوا قد احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم وحوصروا من قبل قوات الاحتلال لمدة (40) يوماً، ضمن اتفاقية فلسطينية – إسرائيلية.

 

 هذه الاتفاقية شكلت سابقة خطيرة و اسست لمرحلة جديدة عنوانها مزيدا من الابعاد وإضعاف الموقف الفلسطيني في رفضه ومواجهته، فتوالت عمليات الابعاد بشكل فردي وجماعي واصبح القبول بالابعاد أمر عادي.

 

وإذا كانت اتفاقية إبعاد محاصري كنيسة المهد التي أبرمت من قبل بعض أطراف القيادة السياسية، قد شرَّعت أبعاد(39) مواطناً قد حوصروا داخل الكنيسة، فان صفقة التبادل"وفاء الأحرار" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية قد كرست الابعاد بموافقتها على إبعاد (205) أسيراً بينهم (163) إلى غزة، وهؤلاء يشكلون (45%) من الدفعة الأولى والتي هي جوهر صفقة التبادل، وهذا فتح المجال لإبرام اتفاقيات فردية أدت لاحقاً إلى إبعاد العديد من المعتقلين إلى غزة.

 

 ولغاية اليوم لم يكشف عن اتفاقيتي كنيسة المهد أو صفقة شاليط، والتفاصيل أو البنود المتعلقة بهم، كما و لم يُسمح لأيٍ من المبعدين ضمن الاتفاقيتين بالعودة إلى ديارهم في القدس أو الضفة الغربية.

 

إن الموافقة على الإبعاد ربما تكون خطورته في ظرف ما وكاستثناء أقل ألمٍ وقسوةِ من مشاكل البقاء في السجن، لا سيما إن وضع المواطن أو المعتقل رغماً عنه من قبل قيادته، بين خيارين (الموت أم الإبعاد) كما حصل مع محاصري كنيسة المهد عام 2002، أو ما بين خياري (السجن مدى الحياة أو الابعاد) كما جرى في صفقة التبادل 2011.

ومع ذلك يبقى الابعاد سلوك شاذ ولا يؤدي إلى حل جذري ولن يكون كذلك يوماً، وإنما هو حلٌ مؤقتٌ يفرز مشكلة دائمة.

 

وعليه أرى بأنه آن الآوان لإعادة النظر في تعاطينا مع قضية الإبعاد من خلال :

 

أولاً: العودة إلى ما قبل عام 2002 وتعزيز ثقافة الصمود والإجماع الوطني برفض الإبعاد جملا وتفصيلا ، في إطار فردي أم جماعي، إذ لم يكن القبول بالإبعاد قائماً آنذاك، وكان يُصنف على أنه شكل من أشكال "الهروب" أو "السقوط والانهيار" ، على قاعدة أن الإبعاد جريمة وممارسة غير قانونية، ويتنافى وبشكل فاضح مع كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية وليس من حق الأفراد أو الجماعات التنازل عن حقهم، وعلى القيادة السياسية وفصائل المقاومة أن لا تضع الأسير بين خيارين "الموت أو الابعاد" ،أم " السجن مدى الحياة أو الابعاد" ..!! ، وعليها أن تدعم خيار الأسير بالإفراج والعودة إلى بيته،.

 

ثانياً: العمل على توحيد الجهود القانونية والسياسية والاعلامية، وابقاء هذه القضية حية ودائمة الحضور على كافة المستويات، من أجل ضمان عودة كافة المبعدين إلى بيوتهم وأماكن سكناهم، وحمايتهم، وهذا يتطلب نشر تفاصيل الصفقات والاتفاقيات، لا سيما اتفاقية كنيسة المهد وصفقة " شاليط".


ثالثاً: والأهم والأكثر ضرورة والحاحاً في الوقت الراهن العمل على توفير حياة كريمة للمبعدين جميعا وتحسين شروط حياتهم وتوفير وسائل الاتصال والتواصل بينهم وبين ذويهم ، وانهاء كل مظاهر التماييز والتمييز في الخدمات المقدمة لهم وفي التعامل معهم ومع الأسرى المحررين عموما، مع تقديرنا لكل ما قدم لهم


عبد الناصر عوني فروانة

أسير سابق ، و مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين

عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة

ايميل / ferwana2@gmail.com

       Ferwana1@yahoo.com

0599361110- 0598937083

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org