ثلاثون عاماً على جريمة الحافلة 300  !!

 

بقلم/ عبد الناصر فروانة

12-4-2014

 

في مثل هذا اليوم الثاني عشر من ابريل/تيسان عام  1984 قام أربعة فلسطينيين باختطاف الحافلة رقم 300 ــ العاملة على خط السير بين تل أبيب وعسقلان ــ وقادوها بركابها باتجاه قطاع غزة، وطالبوا بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، في السجون الإسرائيلية، مقابل الإفراج عن الركاب، إلا أن قوات الأمن الإسرائيلية، وكعادتها، رفضت التجاوب مع مطالبهم وداهمت الحافلة قبالة دير البلح ــ وسط قطاع غزة ــ مما أدى إلى مقتل عدد من ركاب الحافلة. كما وقتلت اثنين من الخاطفين، واعتقلت اثنين آخرين، ظهرا أحياء عبر وسائل الإعلام ، ثم قتلتهما عمداً فيما بعد.

 

لقد أثارت الجريمة أصداء واسعة داخل وخارج إسرائيل، وشكلت لجنة للتحقيق في ظروف مقتلهما، وفي البداية أنكر رجال الشاباك هذه الاتهامات . وبعد عامين اعترفت عناصر من الشاباك بالحقيقة، وتبين أن رئيس الشاباك في حينه، قد أعطى الأوامر بقتل الأسرى، وبعلم رئيس الحكومة آنذاك "اسحق شامير" !!

 

ثلاثون عاماً مضت على الجريمة، والمجرمون طلقاء، دون محاسبة أو ملاحقة، مما أبقى على مسلسل الجرائم مستمراً، بل وتصاعد بشكل غير مسبوق خلال انتفاضة الأقصى في سبتمبر2000 بحق من تدعي أنهم مطلوبون من نشطاء المقاومة الفلسطينية، مقارنة بالسنوات التي سبقتها، وربما هذا ينسجم والقرار السياسي الذي كان قد اتخذته حكومة الاحتلال بداية انتفاضة الأقصى والضوء الأخضر من قبل محكمة العدل العليا الإسرائيلية عام 2002 والمتمثل باجازة وشرعنة اغتيال المواطنين.

 

ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تتخل عن سياسة قتل وتصفية الأسرى الفلسطينيين والعرب فمنذ نكبة عام 1948 وحتى الآن ، لكنها أخذت أشكالاً عدة وطرق مختلفة وتعددت أساليب التنفيذ من  مرحلة إلى أخرى .

 

بمعنى قتل المواطنين بعد السيطرة عليهم واعتقالهم هي سياسة ثابتة، وإن عدم وجود قانون إسرائيلي يجيز إعدام مواطنين بشكل علني، لا يعني بالمطلق احترام إسرائيل لحق الإنسان في الحياة ولحقوقه الإنسانية الأخرى، كما لا يعني عدم وجود مثل هذا القانون أننا بصدد التعامل مع دولة ديمقراطية، تتمتع بقضاء نزيه، لمجرد أن قانونها لا يتضمن موادا تجيز "أحكام الإعدام".

 

فالحقيقة أن لدولة الاحتلال تمارس التصفية الجسدية وإعدام الأسرى بصمت، ودون الحاجة إلى وجود مثل هذا القانون، ودون أن تتحمل التبعات القانونية لذلك، الذي يمكن أن يحرجها أمام المحافل الدولية، ويعرضها للانتقاد، أو يشوه الديمقراطية التي تدعيها زيفاً لخداع العالم.

 

فعقب النكبة اعتمدت الدولة الوليدة مبدأ "الإعدام الجماعي المباشر" للأسرى العرب والفلسطينيين. أما بعد سنة 1967 فقد اعتمدت الإعدام الفردي المباشر، وأعدمت العشرات من الأسرى بعد اعتقالهم وإلقاء القبض عليهم. ولعل قضية الحافلة 300 هي واحدة من تلك الجرائم.

 

   أن  عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تعتبر انتهاكا صارخاً لمعايير حقوق الإنسان وبشكل خاص الحق في الحياة ، وتصنف كجرائم حرب وفقاً للقانون الدولي تستوجب الملاحقة والمحاسبة والمحاكمة، فيما إسرائيل تلجأ لممارستها في كل الأوقات والأزمنة ودون رادع وتنفذها بأشكال عديدة، وتحت ذرائع مختلفة، وأعدمت في هذا السياق عشرات الأسرى بشكل فردي، وفي كثير من الأحيان لجأت الى التنكيل بالمعتقل الجريح والمصاب وعدم تقديم الاسعافات له وتركه ينزف بشكل متعمد حتى الموت ..

 

   ان استمرار هذه الجرائم، يثير قلقنا الدائم على حياة أبنائنا، ويدفعنا دائما للمطالبة بضرورة الانضمام إلى المحاكم الدولية لملاحقة ومحاسبة مقترفي تلك الجرائم من الإسرائيليين ومحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم بحق شعبنا عامة و بحق أسرانا ومعتقلينا الُعزل خاصة، فالحق لا يسقط بالتقادم. وتبقى جريمة الحافلة 300 هي معيار قدرتنا ونجاحنا في ملاحقة قتلة أسرانا ومعتقلينا.

 

عبد الناصر فروانة

أسير محرر ، وكاتب مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين

عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة

0599361110

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org