عيدنا يوم عودتنا ..!

فَبِأي حال عُدت يا عيد هذا العام ..؟

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

10  أكتوبر 2007 م

كل سنة وأنتم سالمين ، بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد ، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة وقد تحررت أرضنا ومقدساتنا ، وعاد مشردينا وأسرانا لبيوتهم سالمين غانمين .

نعم عيدنا يوم عودتنا ، للأرض الطيبة التي  إشتاقت لعودة أصحابها  ، وللبيوت المهدمة التي شُتت ساكنيها ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء ، للمساجد التي دمرت فواصل زائريها  صلواتهم في العراء .

عيدنا يوم عودتنا للوطن الواحد الموحد الذي طالما حلمنا به ، وتحت مظلة سلطة وطنية فلسطينية واحدة موحدة وقوية ، ويوم يرفع فيه العلم الفلسطيني خفاقاً فوق مآذن وكنائس القدس الشريف .

عيدنا يوم عودتنا للمقاومة وللنضال جنباً إلى جنب  في خندق واحد لمواجهة الإحتلال ، وعودة الوحدة الوطنية الحقيقية للشعب الفلسطيني تحت مظلته التاريخية منظمة التحرير الفلسطينية ، بعد أن مُزقت وتُمزق تلك الوحدة وللأسف على أيدي فلسطينية ، وأصبحنا نعيش غُرباء بين شعب هو شعبنا وفي وطن نُحسد أننا نحيا فوق ترابه  .

عيدنا يوم عودتنا .. يوم يعود فيه آلاف الأسرى لبيوتهم وأبنائهم وأحبتهم التي مَزق أوصالهم الفراق القسري ، وفاقمت من معاناتهم جدران السجون وأسلاكها الشائكة  وانتهكت كرامتهم وشرفهم قسوة السجان .

يوم يعود فيع الأسرى الآباء لأبنائهم الذين تُركوا أطفالاً  دون أن يستمتعوا  بحنانهم ودفء أحضانهم ، ويعود فيه كافة الأسرى لأصدقائهم وجيرانهم الذين اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم .

فللشعب الفلسطيني طليعته ، اشتاق لرؤيتهم ، وللفصائل قادة ومناضلين عليهم إعادتهم ، وللأمة أبناء أسرى ضحوا من أجل قضايا عربية اسلامية مقدسة ، عليها تحريرهم ، فويل لأمة لا تسعى لتحرير أبطالها الأسرى .

عيدنا يوم عودتنا .. ، يوم يعود فيه عميد الأسرى وأقدمهم سعيد العتبة إلى عائلته في نابلس ، و عميد الأسرى العرب سمير القنطار إلى أسرته في قرية عبية في الجنوب اللبناني ، التي لم تراه منذ لحظة اعتقاله عام 1979 .

يوم يعود فيه الأسرى أبوعلي يطا إلى الخليل ونائل وفخري البرغوثي إلى رام الله ، وأن تعانق باقة الغربية وعارة ويافا أبنائها الأبطال سامي وكريم يونس ووليد دقة ومخلص برغال ،  وأن تحتضن الجولان المحتلة صدقي وبشر المقت ، وسيطان وعاصم والي ، وأن تستقبل غزة أبطالها الكيال والحسني وحرز ، وأن تحتفي القدس بعودة أبنائها الرازم و المسلماني و البازيان ، يوم يعود فيه كافة الأسرى دون استثناء أو تمييز الى بيوتهم وأحبتهم .

فأي عيد سعيد هذا وقرابة أحد عشر أسيراً يقبعون في قبور تسمى بالسجون والمعتقلات ، جراحهم نازفة ومعاناتهم متفاقمة ، ومحرومون من كل شيء ، حتى من استنشاق الهواء النقي  ورؤية قرصي الشمس والقمر ،  وبينهم أمهات ولدت و أطفال كبرت وشيوخ توفيت خلف القضبان ، ومرضى تتألم ، وأسيرات يتجرعن مرارة السجن والعزل الإنفرادي ، ليسطروا روايات تعتصر لها القلوب ألماً ، وتصلح لأن تكون سيناريوهات في سينما "هوليود" ،

أي سعادة تلك والناس هنا في فلسطين تقضي أيامه الثلاثة إما في المقابر أو في بيوت العزاء لتوزع الكعك والتمر والقهوة السادة على أرواح شـهـدائها وأمواتها ، أو في زيارة الجرحى والمصابين ومَن قُطعت بعض أطرافهم ، وأمهاتنا وأمهات الأسرى يستذكرون من فقدوا من أحبتهم ، فيقضين أيامه وهن يذرفن دموع الحزن والحسرة .

أي سعادة هذه والموت يطاردنا في اليوم عشرات المرات ، فالأطفال تولد في وطن مذبوح ، وتكبر وتلهو بين أنقاض البيوت وتتغذي على رائحة البارود ، وتنام وتستيقظ على مشاهد الموت والدمار والقتل ، وآبائهم  يقضون جزءاً كبيراً من يومهم في تشييع جنازات الشهداء وجزءاً آخراً في البحث عن لقمة العيش الأساسية لهم ولأطفالهم ، وفي مناطق أخرى يقضون الجزء المتبقي  على الحواجز المملة والمميتة .

 

أي سعادة تلك ونحن وشعبنا وقضيتنا نمر بأسوأ مراحلنا ، بل هناك من اعتبرها نكبة جديدة وأسوأ من النكبة الأولى.

 

أي سعادة  ونحن هنا نقبع في سجن كبير اسمه قطاع غزة محاصرون من كل اتجاه ، برا وجواً وبحراً ، وبالآلام والهموم الثقيلة ، والحياة مشلولة والفلتان الأمني ومظاهر العسكر على حالها ، والشوارع مزدحمة وسيول مياة الصرف الصحي في كل مكان تفوح منها الروائح الكريهة ، وأكوام القمامة تتناثر هنا وهناك ، والمحال فارغة من الأصناف الهامة ، والأسواق شحيحة من المواد الأساسية ، وحتى حليب الأطفال يصعب توفره ، وما كان يسمى بالخط الأحمر استبدل بخط مشاة الكل يدوس عليه ، وحقوق الإنسان الفلسطيني تنتهك دون رقيب أو محاسب  .

فلا سعادة إلا في الحرية ، ولا حرية دون وحدة الوطن والشعب ودحر الإحتلال ، والحرية تنتزع ولا تستجدى ، وان قدر لنا أن نحيا لحين ذلك سأقول لكم وقتها عيد سعيد علينا جميعاً ، وآمل أن يكون العيد القادم هو العيد السعيد الذي نحلم به ، أما الآن فأقول لكم كل سنة وأنتم سالمين ، لأن السلامة غنيمة في هذا الزمن العصيب .

 

* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين