أسرى القدس:

فلسطينيون في الزنازين وإسرائيليون في صفقات التبادل!

حلقات تعرض واقع قدامى الأسرى المقدسيين، تصدرها إدارة الإعلام والمعلومات في

مؤسسة القدس الدولية- بيروت

فلسطين - -7-12-2008-

60 عاماً مضت، ولا يزال الاحتلال الصهيوني جاثماً على صدر مدينة القدس، يعبث بقداستها، ويشوّه وجهها، ويفرض على أهلها القوانين التعسفية الظالمة.

الأسرى المقدسيون في سجون الاحتلال هم أبرز شاهد على وحشية التعامل الصهيوني مع أهل القدس، حيث يعتبرهم الاحتلال فلسطينيين متى طالبوا بحقوقهم، و" مواطنين إسرائيليين " لا يدخلون في إطار النقاش عند تبادل الأسرى أو في الطروحات السياسية.

" صلابة أشد من القيد "  هو عنوان حلقات من دراسة أعدتها " مؤسسة القدس الدولية " ، وينشرها " فلسطين خلف القضبان  " بالعاون مع الراصد للتوثيق الإعلامي يومي الإثنين والخميس من كل اسبوع ، وتتناول أوضاع وأحوال قدامى الأسرى المقدسيين المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو ولا زالوا في سجون الاحتلال، بعدما نجحت المؤسسة  في اختراق قضبان السجون ومحاورة الأسرى، ثم أهلهم، لتكشف مدى الظلم والوحشية اللذين تمارسهما سلطات الاحتلال الصهيوني بحق أسرى القدس، الذين تجاهلتهم الإتفاقيات واستثنتهم صفقات التبادل .

ولقد نشرت مؤسسة القدس الدولية التقرير الموجز ، فيما ستنشر سلسلة حلقات موجزة تعرض واقع ومعاناة كل أسير ، ومن ثم ستنشر في النهاية كل ما يتعلق بالدراسة من موضوعات وصور بشكل كامل .

صلابة أشد من القيد

 

 (الحلقة الأخيرة)

 

        عميد الأسرى المقدسيين: الأسير فؤاد الرّازم

 

 

ولد الأسير فؤاد قاسم عرفات الرازم في 9/12/1957 في مدينة القدس، وأنهى تعليمه الابتدائيّ والإعدادي في مدرسة سلوان، ثمّ انتقل للدراسة في مدرسة دار الأيتام الإسلامية الثانويّة، وبعد تخرّجه التحق بالمعهد الشرعي في القدس عام 1977م ، وأثناء دراسته في المعهد الشرعي عمل موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية وإماماً لمسجد في إحدى ضواحي مدينة القدس، ليتخرّج من المعهد عام 1979م.

 

بدأ الرّازم عمله النّضالي عام عام 1976م حين شارك في المظاهرات التي كانت تنطلق من ساحات المسجد الأقصى المبارك على إثر مذابح ومجازر تل الزعتر في لبنان، وقد استمرت تلك المظاهرات ما يقرب الشهرين، وكان للرّازم دورٌ كبير في قيادتها بحكم قرب المدرسة التي كان يدرس بها من المسجد الأقصى. في تلك السنة تدرب الرّاوم على صناعة قنابل المولوتوف على أيدي أحد طلاّب المدرسة، قد صنّع الرّازم عدة زجاجات مولوتوف ووألقاها على قوّات الاحتلال، ومنذ تلك اللحظة بدأ نشاطه السياسي والمقاوم، فشكّل مع مجموعة من أصدقائه خليّة مقاومة ذاتيةً.

 

حاول أفراد هذه الخليّة  بناء أنفسهم ذاتياً، فبدأوا بالتدرّب على رياضة الكاراتيه حيث كان أحد أفراد الخليّة يحمل الحزام الأسود وبدأ بتدريبهم، أمّا السّلاح فكانوا يستحوذون عليه من جنود ودوريّات الاحتلال، وكانت قطعة السّلاح الأولى التي حصلوا عليها مسدّس بسيط يحوي ستّة رصاصات فقط انتزعوه من أحد الجنود الذين كانوا يتجوّلون في أحياء القدس، وبواسطة هذا المسدّس نفّذوا عمليّتهم الأولى بتاريخ 4/4/1978 حين  هاجم أفراد المجموعة أحد الجنود المدجّجين شرق مدينة القدس وأطلق الرّازم رصاصةّ واحدةً عليه من مسافة صفر فأرداه قتيلاً، لكنّه ورفاقه لم يستطيعوا الحصول على سلاحه لأن سيارةً إسرائيلية وصلت في نفس اللحظة التي تم إطلاق النار فيها، فآثروا الاختفاء على أخذ السلاح.

 

كانت هذه أولى العمليات التي نفّذها أفراد هذه المجموعة توالت بعدها سلسلة من العمليّات منها اغتيال جنديٍّ آخر عام 1978م، وخطف مسدس من جنديٍّ ثانٍ، وقتل مستوطنٍ يهوديٍّ في القدس بتاريخ 17/9/1979، إضافةً إلى عددٍ آخر من الهجمات وعمليّات الاستحواذ على السّلاح.

 

في عام 1981 اعتُقل أحد أصدقاء الرّازم في المعهد الشّرعي، وتحت التّعذيب اعترف صديقه بأنّ فؤاد هو من درّبه على استخدام السّلاح، فداهمت قوّات الاحتلال منزل عائلة الرّازم في 30/1/1981 بعد فترةٍ بسيطة من عودته من أداء فريضة الحج، واقتحم جنود الاحتلال المنزل وعاثوا فيه فسادًا ثمّ اعتقلوه، وتعرّض فؤاد الذي كان في الـ22 من عمره لموجات شرسة من التعذيب الوحشي لانتزاع المعلومات منه على مدار أربعة أشهر متواصلة من دون رحمة، أوصلته إلى حالة صحية سيئة.

 

لمحاولة الضغط النفسي على فؤاد اعتقل المحتلّون والديْه وأخضعوهما لمضايقات جعلتهما يدخلان المشفى فور إطلاق سراحهما، إذ وُضعا في غرفة تطلق هواء ساخنًا وخانقًا، ولم يسمح لهما بمغادرتها ورغم طرقاتهما المتواصلة على الباب إلى أن فقدت الوالدة الوعي، وأصيب الوالد بنوبات من الغثيان والقيء المستمر لساعات، واضطرّ بعدها والدا الرّازم إلى السير على أقدامهما أربع ساعات للوصول للبيت بعد ما حلّ بهما.

 

رغم ذلك كلّه رفض فؤاد الإدلاء بأي اعتراف يشفي غليل المحتلّين وغيظهم، فلجؤوا إلى اعتقال شقيقته نبيلة (أم نضال) –التي كانت والدة لطفلين آنذاك- مع والدته بالقوّة. وإيهام فؤاد بالاعتداء عليهما لزيادة الضغط النفسي عليه.

 

تروي أم نضال تفاصيل زيارتها لفؤاد في ذلك الحين فتقول: "لم يكن الشاحب والمتعب الجالس أمامنا هو أخي فؤاد بل شبحه، لم يقْوَ على الحديث إلينا، كان جلده جافًّا وعيناه حمراوين غائرتين وكان الزمن قد قطع معه شوطًا كبيرًا. كان يتنفس بصعوبة ويلقي رأسه على صدره بإرهاق بين الحين والآخر" وأضافت: "رغم معرفتي أن كل حديثنا سيسجل إلا أنني اقتربت منه وصحت فيه: "كلنا فداء الوطن، فؤاد لست الأول ولن تكون الأخير اصبر واصمد ونحن معك بإذن الله".

 

لم يكد صدى صوتها يرتدّ حتى هجم أفراد مخابرات الاحتلال عليها وألقوها مع والدتها في غرفة مظلمة لاثنتي عشرة ساعة من دون طعام أو شراب، وخلال مدة وجودهما أطلق الجنود صرخات كاذبة لإيهام فؤاد بالاعتداء عليهما.

 

بعد 36 جلسة من الأخذ والرد واستجواب شهود ادعاء ضده بلغ عددهم 130 شخصًا، جاء يوم النّطق بالحكم في 9/6/1982 وسُمح لوالدة فؤاد فقط بالحضور، بينما بقي أفراد أسرته خارج مبنى المحكمة بانتظار إصدار الحكم، وبشجاعة نادرة تحدّى فؤاد القاضي الذي كان مسلحًا ويلبس بزّة عسكرية، فبعد النطق بالحكم الجائر القاضي بسجن فؤاد الرازم لثلاث مؤبدات وأحد عشر عامًا بتهمة قتل جنودٍ وعملاء وحرق سيارات السماسرة وباعة الأراضي في القدس، وتحضير العبوات الناسفة، والتحريض وتجنيد الشباب في خليته، هجم فؤاد على القاضي مع أحد زملائه وحاول انتزاع سلاحه ولكن الحرّاس رشّوه بالغاز المسيل للدموع وأوسعوه ضربًا حتى فقد وعيه داخل المحكمة واقتيد من هناك إلى سجن الرملة.

 

تنقّل الرّازم، وهو أقدم أسرى حركة الجهاد الإسلامي في السجون الإسرائيلية، على مدار 26 عامًا بين عدد من السجون هي: الرّملة وعسقلان وبئر السّبع ونفحة وشطّة قبل أن يعود إلى بئر السبع مرّة أخرى، ورغم كلّ ما قاساه استمر فؤاد بتعبئة الأسرى في خطب الجمعة التي يلقيها، فكان عقابه كلّ مرّّةٍ قاسيًا مريرًا حيث كان يٌعزل لشهور ويمنع من الزيارات إضافةً إلى التضييق على أهله أثناء الزّيارات، وبعد كلّ هذا، كان فؤاد يوصي أهله في كل زيارة بقوله: "لا تتوسلوا لأحد بل الجؤوا إلى رب العالمين فهو نصيرنا وهو مغيثنا والفرج قريب بإذن الله لا بإرادة المحتل والصبح قريب فاصبروا فإنني صابر ومحتسب".

 

ملاحظة / من يرغب بالإستعانة بالمعلومات أو اعادة النشر يرجى الإشارة للمصدر / مؤسسة القدس الدولية - بيروت

 

للتضامن مع الأسرى:

رقم الفاكس :  00 961 -1751726

Email  :  info@alquds-online.org