تقرير شامل : إضرابات الأسرى عن الطعام شكل من أشكال النضال يلجأون له رغماً عنهم

وهم بحاجة لحملة تضامن واسعة النطاق وعلى كافة الصعد

الشهيد عبد القادر أبو الفحم

بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة

30 نوفمبر 2007

أخبار الأسرى تتفاعل يوماً بعد يوم ، وتزداد سخونة لتذكرنا بلهيب شمس يوليو في النقب ونفحة ، وتصلنا مرة كمرارة زنازين عسقلان والمسكوبية ، وتكون كالصاعقة على رؤوسنا ، قاسية على مسامعنا كـقساوة عزل السبع والرملة ، ونراها حمراء اللون كدماء الأشقر ومن قبله المئات من الشهداء والمصابين .

واليوم أمسك الأسرى بزمام المبادرة ، فكان اضرابهم عن الطعام رسالة معلنة لإدارة مصلحة السجون  يؤكدون فيها رفضهم لسياساتها القمعية ، وأنهم لم ولن يقبلوا بالظم ولن يسمحوا بسحب انجازاتهم التي دفع ثمنها رفاقهم دماً ومعاناة ، و في الذكرى الأربعين لإستشهاد رفيق دربهم الأسير محمد الأشقر  ليؤكدون أنهم أوفياء لدمائه ولن يسمحوا بتكرار ما حدث أو استمرار الإعتداءات عليهم والمساس بكرامتهم .

ولأننا أسرى سابقين ، أدعي أننا نشعر أكثر من غيرنا باضرابهم ، واستذكر حينما كنا نَجوع ونَجوع ، ولا تَجوع المبادئ فينا ولو مرة واحدة ، نَحِنُ للخبز والشاي والقهوة ، ولا يَحِنُ التراجع و الركوع فينا ولو لبرهة واحدة ... نتحدى الجلاد بجوعنا وعطشنا ويسقط الجسد منهكاً ولا تسقط المبادئ ، ويبقى الصمود والأمل عنوان المعركة .

 هذا الإحساس وبدون أدنى شك يدفعنا لنلتحم بمشاعرنا وأحاسيسنا مع أسرانا ، ويؤدي لتجذر إنتمائنا أكثر بقضية عادلة عمرها عقود من الزمن ، ويدفعنا هذا الإنتماء للتحرك دائماً صوب العمل والعطاء لأجلهم ، وفق إمكانياتنا المتواضعة وبما يمكن أن يخدم قضاياهم ومطالبهم العادلة .

كما أننا نُدرك قيمة الفعل الجماهيري المساند للأسرى ، ولا نجاح لأي اضراب للأسرى دون أن يحظى بالمساندة الجماهيرية والإلتفاف الشعبي ، والتجارب السابقة أكدت أن اضرابات الأسرى التي حظيت بدعم ومساندة جماهيرية أكثر ، هي التي حققت انجازات أكثر بالنسبة للأسرى ..

الإضراب عن الطعام شكل من أشكال النضال

ان الإضراب عن الطعام أو ما يسمى " معركة الأمعاء الخاوية "  ليس هدفاً بحد ذاته ، بل هو شكل من أشكال النضال يلجأ له الأسرى رغماً عنهم من أجل الحياة الكريمة وانتزاع حقوقهم الأساسية ، وضد ممارسات الظلم والإضطهاد ، وذلك  في حال فشل كافة الوسائل النضالية الأخرى والأقل قساوة وألماً كالإحتجاجات ، المناشدات ، المفاوضات ، والإضرابات الجزئية الهادفة لتحسين أوضاعهم وظروف حياتهم المعيشية ، والإضراب  يخوضه الأسرى بإرادة صلبة وبقرار طوعي ولديهم الإستعداد لمواجه الموت الشريف على أن يحيو في خنوع وركوع لإرادة السجان وإملاءاته وجبروته .  

وفي الوقت الذي يقرر فيه الأسرى انتهاج هذا الشكل النضالي فانهم  يراهنون على ارادتهم الصلبة وقوة إصرارهم وعزيمتهم التي لا تلين ، وعدالة مطالبهم ومساندة الجماهير لهم ،  وجدلياً أينما وجد الظلم والإضطهاد وجد النضال والمقاومة  .

ويخوض الأسرى الإضرابات تحت شعار " نعم لآلام الجوع ولا لآلام الركوع "  ، لكنها متنوعة الشكل والمضمون ، فمنها ( الإحتجاجي ،التكتيكي ، الإستراتيجي) أي منها ما يتمثل بارجاع وجبة واحدة أو أكثر من وجبة أو قد يكون ليوم كامل أو لبضعة أيام ، ومنها الإستراتيجي طويل الأمد وهو اضراب شامل عن الطعام يمتد لحين أن تستجيب ادارة السجون لمطالب الأسرى أو جزءاً منها وهنا يصل الى شهر أو أكثر بكثير .

وقدم الأسرى خلال مسيرتهم وفي اطار هذه الإضرابات عن الطعام العديد من الاسرى شهداء أمثال عبد القادر أبو الفحم والذي يعتبر أول شهداء الحركة الأسيرة خلال إضراب عن الطعام واستشهد بتاريخ 11/5/1970 م في سجن عسقلان ، والأسرى الشهداء راسم حلاوة ، على الجعفري ، اسحق مراغة ، أنيس دولة ، حسين عبيدات و آخرين ، واستطاعوا بنضالاتهم هذه أن يحققوا العديد من الإنجازات النوعية .

وأكد الأسرى أن الإنسان الفلسطيني الأسير ، لم ولن يقبل بالظلم والإضطهاد ولا بسلب حقوقه الإنسانية ، مثلما لم ولن يقبل من قبل بسلب حقوقه الوطنية والتاريخية .

وفي كل ساعة من ساعات الإضراب يسجل فيها الأسرى صفحات جديدة في سفر الحركة الأسيرة الحافل بالصفحات المضيئة ، ولا مبالغة لو قلنا بأن تجربة الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، هي التجربة الجماعية الأكثر نضالاً وإشراقاً على مدار التاريخ .

أبرز الإضرابات عن الطعام

نؤكد على أنه لا يمر اسبوع واحد إلا وأن تشهد السجون والمعتقلات أو احداها اضراباً عن الطعام شاملاً أم جزئياً ، وأحياناً كما حصل اليوم تتفق كل السجون على خوض اضراب موحد عن الطعام ولقد خاض الأسرى عشرات الإضرابات عن الطعام والتي استمرت لبضعة أيام ، ونستعرض أدناه أبرز الإضرابات وليست جميعها والتي تحتاج لمجلدات .

 - اضراب سجن الرملة بتاريخ 18 فبراير 1969  واستمر (11) يوما

 - اضراب معتقل كفاريونا بتاريخ 18 فبراير 1969 واستمر الإضراب (8) أيام ورافق إضراب الرملة

 - اضراب الأسيرات الفلسطينيات في سجن نفي ترتسا بتاريخ 28 ابريل 1970  واستمر (9) أيام

 اضراب سجن عسقلان بتاريخ 5 يوليو 1970 واستمر الإضراب (7) أيام

-  اضراب إضراب سجن عسقلان بتاريخ 13 سبتمبر 1973  وحتى تاريخ 7 أكتوبر 1973 

 - الإضراب المفتوح عن الطعام بتاريخ 11 ديسمبر 1976  والذي انطلق من سجن عسقلان واستمر لمدة (45) يوما لتحسين شروط الحياة الاعتقالية ، والإضراب المفتوح بتاريخ 24/2/1977 واستمر لمدة (20) يوما في سجن عسقلان وهو امتداد للإضراب السابق

- اضراب سجن سجن نفحة بتاريخ 14/7/1980 واستمر لمدة (32) يوما ، احتجاجاً على افتتاح هذا السجن في نفس العام ونقل الأسرى إليه في ظروفه قاسية جداً ، وشاركت باقي السجون بإضراب إسنادي وأيضاً كان هناك مشاركة جماهيرية واسعة إستشهد خلاله الأسير راسم حلاوة والأسير علي الجعفري وفيما بعد الأسير إسحق مراغة .. ورافق هذا الإضراب حملة شرسة لقمع الأسرى من قبل إدارة مصلحة السجون بإشراف وزير الداخلية الإسرائيلي آنذاك د. يوسف بورغ وتم نقل قسم من المضربين من سجن نفحة إلى سجن الرملة ، ويعتبر هذا الإضراب وهو الأشرس والأكثر عنفاً

 - اضراب سجن جنيد في سبتمبر عام 1984 واستمر لمدة (13) يوما

- اضراب الأسيرات بتاريخ 12 نوفمبر 1984  واستمر عدة أيام .

- اضراب سجن نفحة في آذار 1985 واستمر لمدة 6 أيام .

  - اضراب سجن جنيد بتاريخ 25 مارس 1987   وشاركت فيه معظم السجون وخاضه أكثر من (3000) أسير فلسطيني واستمر لمدة 20   يوما والذي كان له إسهام في اندلاع الانتفاضة الأولى

- بتاريخ 23 يناير  1988الأسرى يعلنون الإضراب عن الطعام   تضامناً وتزامناً مع إضرابات القيادة الموحدة للإنتفاضة

-  اضراب سجن نفحة بتاريخ 23 يونيو 1991 واستمر الإضراب (17) يوما .

-  اضراب شامل في كافة السجون والمعتقلات بتاريخ 27 سبتمبر 1992 أسير واستمر (15) يوما ،  وأصطلح على تسميته لدى الأسرى أم المعارك كونه شكل مرحلة مهمة في الذود عن كرامة الأسير حيث شارك في هذا الإضراب نحو 7 آلاف أسير ، ولقد كانت مشاركة السجون على النحو التالي (جنيد وعسقلان ونفحة وبئر السبع ونابلس في 27/9، سجن جنين 29/9/، سجن الخليل 30/9، سجن رام الله وأسيرات تلموند في الأول من أكتوبر، سجن عزل الرملة في الخامس من أكتوبر ، سجن غزة المركزي في 10/10، فيما شاركت السجون التالية مشاركة تضامنية مجدو، النقب، الفارعة، شطة، وحظي بمساندة جماهيرية واسعة في الوطن و الشتات ،وحقق الإضراب العديد من الإنجازات واستشهد خلاله الأسير المقدسي حسين عبيدات

- اضراب معظم السجون بتاريخ 21 يونيو 1994  حيث خاض الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام على أثر توقيع اتفاقية القاهرة (غزة – أريحا أولاً) احتجاجاً على الآلية التي نفذ بها الشق المتعلق بالإفراج عن خمسة آلاف أسير فلسطيني حسب الاتفاق، واستمر الإضراب ثلاثة أيام

- اضراب الأسرى بتاريخ 18 يونيو 1995 تحت شعار (إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء) وجاء الإضراب لتحريك قضيتهم السياسية قبل مفاوضات طابا واستمر الإضراب لمدة (18) يوما.

- إضراب معظم السجون عام 1996 و استمر 18 يوما .

- اضراب الأسرى إضراباً مفتوحاً عن الطعام بتاريخ 5 ديسمبر 1998 على أثر قيام "إسرائيل" بالإفراج عن (150) سجينا جنائيا ضمن صفقة الإفراج عن (750) أسيرا وفق اتفاقية اتفاقية واي ريفر وعشية زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون للمنطقة ، وتزامن مع ذلك نصب خيمة التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية امام الجندي المجهول بغزة واعلان ( 70 ) اسير محرر وفي مقدمتهم الأخ هشام عبد الرازق وزير شؤون الأسرى والمحررين الإضراب المفتوح عن الطعام

-  اضراب الأسرى عن الطعام بتاريخ 2 مايو 2000  احتجاجاً على سياسة العزل والقيود والشروط المذلة على زيارات أهالي المعتقلين الفلسطينيين واستمر هذا الإضراب ما يقارب الشهر ورفع خلاله شعار إطلاق سراح الأسرى كأحد شروط السلام والجماهير الفلسطينية انتفضت تضامناً مع الأسرى وقدمت 8 شهداء في أيام متقاربة خلال الإضراب في قلقيلية ونابلس ورام الله والخليل ، والعشرات من الأسرى المحررين اضربوا عن الطعام في خيمة التضامن التي نصبت قرب جامعة الأزهر بغزة

-  بتاريخ 26 يونيو 2001 الأسيرات في سجن نيفي تريستا يضربن عن الطعام لمدة 8 أيام متواصلة احتجاجاً على اوضاعهم السيئة ويتعرضن للإبتزاز والتعامل بقسوة وظلم خلال الإضراب.

- اضراب شامل في كافة السجون بتاريخ 15 آب /أغسطس 2004 واستمر ( 19 يوماً )  وحظي بمساندة جماهيرية مميزة أبرزها إعلان العشرات من الأسرى المحررين الإضراب عن الطعام تضامناً مع إضراب الأسرى وذلك في خيمة التضامن أمام الجندي المجهول بغزة ، وحقق هذا الإضراب انجازات عديدة

 - بتاريخ 10يوليو 2006  اضراب اسرى سجن شطة لمدة 6 أيام -

 - بتاريخ 18 نوفمبر 2007  اضراب الأسرى في كافة السجون والمعتقلات ليوم واحد

خطوات لا بد منها لإنجاح الإضراب

وهنا لا بد من الإشارة الى أن قرار خوض الإضراب ، هو قرار صعب ، وهو ليس سهلاً ، كما أن الإضراب ليس نزهة ، لهذا قلنا بأن الأسرى يلجأون إليه رغماً عنهم ، وتختلف التحضيرات والإعدادات باختلاف نوعية الإضراب المنوي خوضه ، وأكثر تلك الإعدادات تلك التي تسبق الإضرابات الإستراتيجية الطويلة ، أو تلك التي تسبق الإضرابات التكتيكية في المعتقلات التي تضم أعداداً كبيرة من المعتقلين الجديد الذين يفتقرون للتجربة .

لهذا وقبل اتخاذ أي قرار بالاضراب عن الطعام يتم الإعداد الجيد له والتنسيق مع الخارج ، وخاصة الإعداد النفسي للأسرى، وشرح أهداف الإضراب وتأثيراته الصحية والخطوات التي يجب اتباعها  واذا كان اضرباً استراتيجياً يتم استثناء الأسرى المرضى وكبار السن حفاظاً على حياتهم ويتم عزلهم بغرف لوحدهم حتى لا يتأثر الآخرون سلباً  .

كما ويتم جمع كل المواد الغذائية الموجودة في السجن وتسليمها للإدارة حتى لا تدعي أن الأسرى غير مضربين.

وخلال مسيرة الحركة الوطنية الأسيرة استطاع الأسرى انتزاع حقوق أساسية وانجازات عديدة ونوعية من خلال الإضرابات عن الطعام .

الأسرى بحاجة لحملة تضامن واسعة النطاق وعلى كافة الصعد

وعودة على بدء فإن اضراب الأسرى اليوم حمل رسالة ضمنية وغير معلنة لنا جميعاً ،  حيث يصادف هذا اليوم ذكرى الأربعين لأحداث معتقل النقب التي أدت لاستشهاد الأسير البطل محمد الأشقر واصابة قرابة مئتين وخمسون معتقلاً .. دون أن تتحرك جدياً المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بما فيها الإعلامية ، الحقوقية أو الانسانية بمختلف مسمياتها ومضامينها ، طوال الفترة الماضية لضمان ملاحقة مرتكبي الجريمة أو على الأقل لضمان عدم تكرارها  ؟

وجميعنا اعتبر أن ما جرى يومذاك في معتقل النقب هو جريمة حرب تضاف الى قائمة جرائم الإحتلال بحق الأسرى ، واتفقنا في بياناتنا وتصريحاتنا وأصبنا في تحليلاتنا على أن قائمة الإنتهاكات بحق الأسرى تطول وتطول ، وأن الهجمة بحق الأسرى تتصاعد يوماً بعد يوم وبشكل أكثر عنفاً ، و أن سلطات الإحتلال تشن حملة شرسة مدروسة ممنهجة تهدف إلى تجريد الحركة الأسيرة من كل شئ وإعادتها إلى الحالة التي بدأت عليها قبل أكثر من أربعين عاماً .

لكننا وللأسف لم نتفق بعد على آلية وطنية للنضال السلمي التضامني المساند للأسرى وحقهم في العيش بكرامة واسترداد حقوقهم الإنسانية المسلوبة وفق ما تنص عليه كافة الإتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية جنيف ...!!

وآمل أن تحمل الأيام المقبلة أخباراً سارة في هذا الصدد وأن تشهد خطوات عملية نوعية لمساندة الأسرى ودعم نضالاتهم ومطالبهم العادلة .