طالب بإنشاء مركز لتوثيق جرائم التعذيب الإسرائيلية بحق الأسرى
عبد الناصر فراونة مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى يؤكد لـ"البيادر السياسي"
على ضرورة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين شرعوا التعذيب

دولة الاحتلال هي الأكثر إرهاباً
في العالم وانتهاكاً
للمواثيق والاتفاقيات الدولية والأقل إنسانية

 

غزة ـ خاص بـ"البيادر السياسي":ـ
حاوره/ محمد المدهون

 - الرابط الخاص بمجلة البيادر السياسي-مقابلات - حيث نشر في هذا العدد 933 / السنة السابعة والعشرون / 15 أيلول 2007

     شدد الأسير المحرر عبد الناصر فروانة، مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في غزة، على ضرورة ملاحقة مجرمي الحرب في كيان الاحتلال الذين أصدروا أوامرهم بالتعذيب المميت مع المعتقلين الفلسطينيين، وممن مارسوا هذا التعذيب فعلياً في أروقة ودهاليز وزنازين ومسالخ السجون الإسرائيلية، مؤكداً على أهمية إثارة هذه القضية في كافة المحافل العربية والإسلامية والدولية الحقوقية والإنسانية، والسعي لإنشاء محكمة دولية للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت ولا زالت ترتكب بحق الأسرى من تعذيب قهري مميت يتناقض وكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية التي حرمت وحظرت التعذيب، ولكنها تنتهك علانية وعلى مدار الساعة وتضرب بعرض الحائط في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
جاء ذلك خلال حديث خاص أجرته معه" البيادر السياسي" لاسيما في ظل ارتفاع عدد شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، نتيجة التعذيب والإهمال الطبي الذي يتعرضون له.
وطالب فروانة بإنشاء مركز لتوثيق كل حالات التعذيب وممن استشهدوا نتيجة لذلك، من خلال إصدارات مقروءة ومرئية ونشرها في وسائل الإعلام المختلفة، وتأهيل وعلاج من تعرضوا للتعذيب على مدار سني الاحتلال، خاصة من يعانون من عواقبه الوخيمة وأمراضه الخطيرة، من خلال إنشاء مراكز متخصصة لهذا الغرض، والعمل على رعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية وإنصافهم وتعويضهم بشكل مناسب، وضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم.
هذا وفيما يلي نص الحوار:ـ

أساليب متنوعة

* يمارس الاحتلال الإسرائيلي شتى ألوان التعذيب في سجونه ومعتقلاته ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.. كونكم أسير سابق تعرضتم لمثل هذا التعذيب، كيف تصف لنا هذه الأساليب ؟ وما هي الطرق والوسائل التـي يستخدمها المحتلون في نزع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين؟
- بدأ التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية مع بدايات الاحتلال، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، رغم صدور اتفاقيات دولية تحرم ذلك، وبالرغم من تشكيل وقيام الكثير من مؤسسات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب وتأهيل ضحاياه في العالم، بل سار بوتيرة متصاعدة، ومورس على نطاق واسع بحق الأسرى والمعتقلين وبأشكال عدة، وشكَّل نهجاً يمارس بشكل مؤسساتي مبرمج على مدار اللحظة، ويعتبر التعذيب جزءاً لا يتجزأ من معاملة الأسرى اليومية، وبالتالي ليس هناك من شخص مرَّ بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلية دون أن يكون قد مرَّ بتجربة التعذيب، أو تعرض لأحد أشكاله المختلفة التي تجاوزت الثمانين شكلاً منها الجسدية وأخرى النفسية، و في الغالب يتم المزج بينهما، ومن تلك الأشكال الضرب المبرح وهو الأكثر شيوعاً، والشبح والهز العنيف، وتكسير الضـلوع، بالإضافة إلى وضع كيس نتن مبلول بالماء أو أكثر من كيس على الرأس، والحشر داخل ثلاجة لعدة أيام، والضرب على الخصيتين، والتعري والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب أو الاغتصاب الفعلي، كذلك يقوم المحققون الإسرائيليون بتعرية المعتقل وإدخال أنبوب أو عيدان ثقاب في أعضائه التناسلية، إضافة إلى حرمانه من النوم والطعام والشـراب، وتعريضه للبرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة، والاعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص عليه، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح والضرب عليها حتى تسبب له المزيد من الآلام لإجباره على الاعتراف. كما تمارس إدارة السجون سياسة العزل الانفرادي بحق أسرانا، وأسلوب الصعك بالكهرباء، والإهانات والتهديد بالموت، وإيذاء العائلة، واعتقال أفرادها رجال ونساء، بالإضافة للمعاملة القاسية والاستفزازية والحرمان من الزيارات والإهمال الطبي ... وإلخ .

* هل هذا التعذيب يتوقف بعد حصول المحقق الإسرائيلي على الاعتراف من المعتقل الفلسطينيي ؟
- التعذيب لا يهدف كما هو معلن إلى انتزاع الإعترافات من المعتقل فحسب، بل يهدف إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية، وتدمير الإنسان جسداً وإرادةً وروحاً معنوية، وتحطيم شخصيته، وتغيير سلوكه ونمط تفكيره ليصبح عالة على أسرته ومجتمعه. كما أنه من الخطأ الفادح الإعتقاد بأن التعذيب يمارس فقط في أقبية التحقيق، بل إنه يبدأ منذ لحظة الاعتقال ومروراً بفترة الاعتقال قصيرة أو طويلة وليس إنتهاءً بلحظة الإفراج، لأن آثاره تستمر إلى ما بعد ذلك بسنوات.
والتعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي لا يمكن وصفه ووصف فظاعة بشاعته وإجرام ممارسيه، ولا يشعر به إلاَّ من من ذاق مرارته، وليس كل من نجا من التعذيب يمكنه الحديث عما تعرض له، ولكن هناك الكثير ممن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له، وهناك الكثير ممن يمتلكون الجرأة للحديث عما تعرضوا له ولكن لم يجدوا آذاناً صاغية .
آثار مستقبلية

* ذكرتم أن آثار التعذيب تمتد إلى ما بعد الإفراج عن الأسير.. هل معنى ذلك أن هناك حالات مرضية في أوساط الأسرى المحررين نتيجة ما تعرضوا له من تعذيب؟
- مما لا شكفيه أن أثار التعذيب بالغة الخطورة، ويمتد تأثيرها لسنوات وعقود وأجيال، ولا يقتصرهذا التأثير على المعتقلين فحسب، وإنما يمتد ليشمل أسرهم وأطفالهم أيضاً، وآباءهم وأمهاتهم، وحتى أقربائهم و دائرة الأصدقاء والجيران.
وللتعذيب ذكرياته الأليمة، ويعتبر من التجارب المؤلمة والقاسية في حياة الإنسان، و تبقى راسخة في شريط ذكرياته وتلاحقه أينما ذهب ، وكلما تذكرها أو تذكر جزءاً منها كلما ازداد معاناةً، و نما لديه شعور الثأر و الانتقام .
ما أريد قوله في هذا الشأن أن أيام وشهور وسنين الأسر، لا يمكن أن تمر دون أن تترك آثارها النفسية والجسدية على الأسرى وذويهم ، ولا يزال هناك الآلاف من الأسرى السابقين يعانون من أمراض مختلفة ومزمنة ورثوها عن سجون الاحتلال، ويجدون صعوبة في التكيف، كذلك يواجهون الكثير من الصعوبات في العودة إلى الحياة الطبيعية، كما ويعانون من مشاكل جنسية وصحية ونفسية مختلفة، فضلاً عن المشاكل الاقتصادية التي تنعكس سلباً على نفسية الأسير المحرر، فهؤلاء الأسرى يحتاجون لرعاية ومساندة خاصة بعد التحرر، خاصة وأن المئات منهم توفوا نتيجة لذلك ومنهم الشهداء فايز بدوي من غزة واستشهد بتاريخ 17/2/1980، وليد الغول من مخيم الشاطئ واستشهد بتاريخ 14/12/1999، هايل أبو زيد من هضبة الجولان المحتلة و استشهد بتاريخ 7/7/2005، وعبد الرحيم عراقي من الطيرة الذي استشهد بتاريخ 20/3/2006، و شيخ المعتقلين " أبو رفعت" محمد رجا نعيرات من بلدة ميثلون شرق جنين واستشهد بتاريخ 12/1/2007، ومراد أبو ساكوت من الخليل واستشهد 13/1/2007 في أحد المستشفيات في الأردن، والقافلة تطول وتطول.

تشريع التعذيب

* هل هناك قوانين إسرائيلية تشريع التعذيب في سجون الاحتلال ومعتقلاته ؟
- التعذيب محظور ومحرم دولياً بكل أشكاله الجسدية والنفسية، إلا أن دولة الاحتلال تتجاوز هذا الحظر علانية، وتعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي شرعت التعذيب في مؤسساتها الأمنية ومنحته الغطاء القانوني، حيث لم تقتصر ممارسة التعذيب على المحققين والسجانين، بل انضم إليهم الأطباء والممرضون أيضاً، الذين يساعدون أولئك بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتعتبر توصيات لجنة " لنداو" التي أقرها الكنيست في نوفمبر عام 1987، هي أول من وضع الأساس لقانون فعلي يسمح بتعذيب الأسرى وشكل حماية لرجال المخابرات.
وبعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول قتل المعتقل عبد الصمد حريزات في 25/4/1995 في أروقة مركز تحقيق المسكوبية بالقدس، نتيجة الهز العنيف، أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية عدة قرارات خلال العام 1996 سمحت بموجبها لمحققي أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام الضغط الجسدي المعتدل، وإذا كان المحقق على يقين بأن المعتقل يخفي معلومات خطيرة من شأن الكشف عنها حماية أمن الدولة، والتي درجت الأجهزة الأمنية والقضائية على تسميتها بالقنبلة الموقوتة، فمن حق المحقق أن يستخدم الضغط الجسدي المعزز، وأسلوب الهز العنيف ضد المعتقلين أثناء استجوابهم ، شريطة أن يحصل المحقق على إذن من مسؤوليه وصولاً إلى رئيس الشاباك إذا اضطر إلى استخدام العنف الشديد الأكثر من معتدل.
* هل من دور تلعبه مؤسسات حقوق الإنسان في مناهضة ذلك ؟
- نعم.. لقد بذلت مؤسسات حقوقية وإنسانية جهوداً في هذا الشأن جعلت المحكمة العليا الإسرائيلية تصدر في التاسع من أيلول عام 1999 قراراً منعت بموجبه استخدام الوسائل البدنية القاسية ضد المعتقلين، ولكن هذا القرار بقى شكلياً ولم يترجم فعلياً، وبالتالي لم يؤدِ إلى إلغاء التعذيب أو الحد منه، بل ابتدعت أساليب جديدة .

المرتبة الأولى

* إلى أي مدى تحتل دولة الاحتلال مرتبة متقدمة بين الدول التـي تستخدم التعذيب ؟
- ليس فحسب مرتبة متقدمة، وإنما تحتل إسرائيل المرتبة الأولى في العالم من ناحية تأييد سكانها لممارسة التعذيب ضد من تسميهم بالمشتبهين بممارسة " الإرهاب"، وبالمناسبة هذا كان نتيجة استطلاع دولي للرأي أجرته محطة ألـ "بي بي- سي" البريطانية .
حيث أظهرت نتيجة الاستطلاع الذي شمل على عينة مكونة من 27 ألف مواطن في 25 دولة مختلفة، أن غالبية سكان العالم تعارض ممارسة التعذيب، وحتى وإن أدى إلى استخلاص معلومات من شأنها إنقاذ حياة أبرياء قد يسقطون في عمليات " إرهابية " حسب وصف الاستطلاع .
وفيما عارض 59 % من سكان العالم ممارسة التعذيب ضد المشتبه بهم بممارسة الإرهاب، أيد 53 % من سكان " إسرائيل " اليهود ممارسة التعذيب ضد المعتقلين والمشتبه بهم لتحتل بذلك المرتبة الأولى في العالم.
ومن هنا نؤكد بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الأكثر إرهاباً في العالم والأقل إنسانيةً والأكثر انتهاكاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية .
كما وتتصدر دولة الاحتلال الإسرائيلي الدول المنتجة والمصدرة لأدوات التعذيب، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية نُشر قبل أكثر من عام تحت عنوان " تجار الألم " ، وجاء فيه بأنها أكثر الدول من حيث إنتاجها لوسائل تعذيب مختلفة، واستخدامها وتصديرها والاتجار بها مثل القيود، السلاسل، الأصفاد وكراسي التكبيل، ومواد كيماوية تسبب الشلل مثل غاز الأعصاب، الغاز المسيل للدموع والسموم المخدرة، أجهزة الصعق الكهربائي.

مجردون من الضمير

* هل يجري برأيك تدريب السجانين الإسرائيليين على ممارسة أساليب التعذيب بحق أسرانا ؟
- السجانون الإسرائيليون هم أناس مجردون من الضمير الإنساني ومن كافة المشاعر الإنسانية والأخلاقية، وهم عصبيون وليسوا أصحاء نفسياً، ويعتبرون أن كل معتقل هو مشروع قنبلة موقوتة وهو عدو لهم، وبالتالي يجيزون لأنفسهم ممارسة كل الأساليب الدموية واللا إنسانية ، ويسعون دائماً لابتكار أبشع الأساليب لإلحاق الألم والأذى بالمعتقلين، وأحياناً يمارسون ذلك لمجرد التسلية والاستمتاع والتباهي فيما بينهم ، ويضحكون ويبتسمون وهم يراقبون عذاب وآلام المعتقلين، وما يساعدهم ويشجعهم على ذلك هو غياب الملاحقة القانونية وعدم تقديمهم للعدالة، وشعورهم بأنهم لن يحاسبوا على أفعالهم هذه، كما لم يسبق أن قدم أي سجان أو محقق للمحاكمة على جرائم اقترفها داخل السجون، بل بالعكس هناك من المحققيين مَن تمت ترقيتهم تقديراً لممارساتهم مع المعتقلين..!! ، وهناك قانون يمنح الشرعية لممارساتهم ، ومن خلفهم الجمهور الإسرائيلي المؤيد لهذا التعذيب، وهذا ما يشجعهم ويشجع آخرين على الاستمرار في التعذيب.
فحياة الأسير الفلسطيني عموماً هبطت عند المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بما فيها السجانين والمحققين وحتى لدى المواطنين إلى أدنى مستوياتها والكل يهدف – في محاولة يائسة – إلى تحطيم نفسية الأسير وإفراغه من محتواه الوطني والنضالي .

شعور بالانتقام

* بصفتكم أسيراً سابقاً.. هل لك أن تحدثنا عن تجربتك في هذا المجال ؟
- أنا شخصياً عايشت أكثر من تجربة في التحقيق، ولكن أقساها كانت في سبتمبر عام 1989م، حيث مكثت في أقبية التحقيق وزنازينها القذرة الرطبة المعتمة قرابة مائة يوم ، تعرضت خلالها لصنوف مختلفة وبشعة من التعذيب، ومكثت في الثلاجة أياماً وليالٍ طوال ولم أخرج منها إلا لجولات التحقيق، ولا زالت صور المحقق وهو يستمتع بتعذيبنا ماثلة أمامي، كما ولا زالت أحداث استشهاد الأسيرين خالد الشيخ علي وجمال أبو شرخ في تلك الفترة جراء التعذيب عالقة في ذهني، وصراحة لا يمكن وصف تلك الفترة المؤلمة ومعاناتها القاسية، فالشخص منا كان يتمنى ويفضل الموت مرة واحدة ، على أن يموت مرات ومرات.
وحينما استذكر تلك الفترة أشعر بالألم، وينمو لدىّ شعور الانتقام، ليس من المحققين فحسب، بل ممن أعطوهم الأوامر ومنحوهم الشرعية والحصانة القضائية وكفلوا لهم الحماية، وأشعر بالحزن لأن هناك الآلاف من الأسرى لا زالوا يعذبون في سجون الاحتلال، كما أشعر بالخجل لأن شعبهم الفلسطيني بكافة مؤسساته وفصائله لم يتمكن من إنقاذهم ووضع حد لتعذيبهم، ولم يتمكن من ملاحقة مجرميه ولو مرة واحدة .

وهنا أؤكد أن التعذيب لم يستثنِ أحداً من المعتقلين، ومورس بشكل قاسي جداً مع الجميع، ولكن لوحظ أن جميع من استشهدوا نتيجة التعذيب هم من الذكور، ولكن هذا لا يعني أن التعذيب لم يمارس ضد الفتيات والنساء، فالكثيرات منهن أصبن بأمراض خطيرة نتيجة لذلك، ومنهن توفين بسبب ذلك بعد التحرر .

اضغط هنا للإطلاع على صور بعض أشكال التعذيب