في الذكرى العشرين لاعتقاله

فروانة : الأسير عبد الهادي غنيم .. يتعملق على سجانيه ويشمخ رغماً عنهم

 

يا ظلام السجن خيم  إننا نهوى الظلام
ليس بعد الموت إلاَّ  فجر مجد يتسامى

 

رام الله – 5-7-2008  أعلن مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين ، والباحث المختص بقضايا الأسرى عبد الناصر فروانة ، اليوم ، بأن الأسير عبد الهادي سلمان رافع غنيم ، الذي يحتل الرقم ( 112 ) على قائمة قدامى الأسرى يتمم اليوم تسعة عشر عاماً في الأسر وسيدخل غداً الأحد عامه العشرين .

يذكر أن الأسير عبد الهادي غنيم ( 43 عاماً ) متزوج وله ولد واحد اسماه " ثائر " ، وهو من سكان مخيم النصيرات بقطاع غزة ، وكان قد اعتقل بتاريخ 6-7-1989 ، وصدر بحقه حكماً بالسجن مدى الحياة 16 مرة ، بالإضافة الى 480 عاماً ، أمضى منها تسعة عشر عاماً ليدخل اليوم عامه العشرين ، وهو بذلك يقترب من اللحاق قسرا بقائمة عمداء الأسرى ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً ،  وهو موجود الآن في قسم 5 في سجن جلبوع ويعتبر من قيادات الحركة الأسيرة وهو ينتمي لحركة " فتح "  .

وعن ظروف اعتقاله يقول فروانة أنه وفي صبيحة يوم السادس من يوليو/ تموز عام 1989 ، قرر الثائر " أبو ثائر " الانتقام لدماء الشهداء والجرحى ولمعاناة الأسرى ، ولم يكن بحاجة إلى حزام ناسف أو سلاح ناري ، كما لم يكن بحاجة أيضاً إلى مساعدة صديق أو قائد يخطط له ويوجهه ، فقط اعتمد على إرادته الفولاذية وإصراره العنيد الذي لا يلين .

وأضاف الباحث فروانة ان " أبو ثائر " توجه في صبيحة ذاك اليوم إلى محطة الحافلات المركزية في " تل ابيب " وبعد متابعة دقيقة لحركتها وعدد ونوعية الركاب الصاعدين إليها ، قرر الصعود إلى الحافلة رقم " 405 " المتجهة إلى مدينة القدس المحتلة  ، وجلس في المقاعد الأمامية .

وحينما اقتربت الحافلة من منطقة أبو غوش وبالتحديد فوق منطقة الواد ، صرخ مكبراً " الله أكبر " ، وانقض بقوة نحو السائق ومسك بمقود الحافلة بقوة لم يعتاد عليها من قبل ، ولم يستطع السائق ومن حوله منعه من تنفيذ ما أراده ، فحرف مسار الحافلة لتسقط هاوية بمن فيها من ركاب عشرات الأمتار ، وتستقر في أسفل قاع الواد  ، متحطمة ، متفحمة ، متناثرة إرباً إرباً ، وجثث وأشلاء عشرات الإسرائيليين والجنود هي الأخرى متناثرة ، والحصيلة النهائية مقتل ستة عشر إسرائيلياً ، وإصابة 24 شخصاً آخرين جروحهم مختلفة ، وبعضهم فقدوا أطرافاً  من أجسادهم .

أما الثائر أبو ثائر غنيم ، فقدر له أن يبقى على قيد الحياة ، رغم إصابته في الرأس والساق والحوض  ليتعرض بعدها لصنوف مختلفة من التعذيب رغم جروحه وإصابته ودمه النازف ، حاولوا إذلاله والانتقام منه ، فكان أقوى منهم وتفولذ في أقبية التحقيق ، وتعملق على جلاديه ، وانتصر على سجانيه ، فبقىّ شامخاً فخوراً بما قام به .

وبعد شهور من التعذيب المميت صدر بحقه حكماً جائراً بالسجن الفعلي مدى الحياة ستة عشر مرة، وأربعمائة وثمانين عاماً، ليبدأ مع إخوانه الأسرى مرحلة جديدة من الحياة والنضال والمعاناة خلف القضبان ، ليُجبر في بدئها بالمكوث في غرف العزل الانفرادية الرهيبة في سجن الرملة ليمضي فيها أكثر من ثلاث سنوات ، ومن ثم يتنقل قسراً كغيره من الأسرى من هذا السجن إلى ذاك ، ومن هذه الزنزانة الانفرادية إلى تلك ، ليمضي ما مجموعه عشرة سنوات  من فترة اعتقاله في أقسام وزنازين العزل الانفرادية مختلفة الأسماء والأمكنة ، في عزل الرملة أو عزل عسقلان أو عزل ايشل في بئر السبع أو غيرها ، لكنها متوحدة الجوهر والمضمون والهدف .

 وأضاف فروانة أنه وخلال مسيرة حياته واعتقاله الطويلة تعرض لكثير من المواقف المؤلمة والمحزنة ، المؤثرة والمعبِّرة ، فوالده توفى وهو في عمر الورود ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره ، وقبل يوم واحد من تنفيذ عمليته أنجبت له زوجته طفله الوحيد " ثائر " وذلك بتاريخ 5-7-1989 ، لم يره ولم يرغب في رؤيته خشية في أن يتأثر برؤيته وان يتغير قراره في تنفيذ العملية ، فاختار الإصرار على تنفيذ العملية انتقاماً لدماء الشهداء واللحاق بكوكبة الشهداء ، على أن يرى طفله وان يبقى بجانبه ، وها هو طفله يكبر بعيداً عنه محروماً من رؤيته ورعايته وحنانه ، لينهي دراسته الثانوية بتفوق ، وليلتحق بالجامعة وينهي السنة الأولى بنجاح .

وأمه توفيت قبل عام تقريباً دون أن يتمكن من رؤيتها أو تقبيلها قبلة الوداع الأخير أو المشاركة في تشييع جثمانها إلى مثواها الأخير ، وزوجته لم تزره منذ سنوات طوال ولم يرَ إخوانه وأحبته أو أصدقائه وجيرانه منذ اعتقاله .

 وعن وضعه الصحي يقول فروانة بأنه يعاني من آثار الإصابة الناتجة عن العملية في ظل الإهمال الطبي المتبع في السجون الإسرائيلية ، كما ويعاني من التنقلات المستمرة وعدم الاستقرار ، لكن معنوياته مستقرة وثابتة وتعلو يوما بعد يوم ويتعملق على سجانيه ويشمخ رغماً عنهم وعن أسوار السجن الشاهقة .

ويبقى من حقه أن يأمل بالعودة لمخيم النصيرات .. ومن حق ابنه ثائر أن يحلم بأن يكون اسم والده ضمن قائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله ، أو ضمن قائمة الأسرى التي تطالب بالإفراج عنها الفصائل الفلسطينية آسرة الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " .

ويبقى من حق ابنه أن يناشد الجميع بالعمل الجاد لضمان عودة أبيه إلى بيته ورؤيته واحتضانه بلا قضبان بعد عقدين من الحرمان والألم والمعاناة .

والسؤال .. ان لم يطلق سراح الأسير عبد الهادي غنيم وأمثاله من القدامى ممن يوصفون بالأيادي " الملطخة بالدماء " ضمن صفقات تبادل الأسرى ...!  فمتى سيطلق سراحهم  ... ؟؟