المعايير الإسرائيلية مَزقت وحدتِهم .. كما مَزقت وحدتنا

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

19 تموز 2007

 

    الأسـرى ...  قضية شائكة ومعقدة ، وهم ليسوا مجرد رقم  وصل إلى عشرة آلاف ونصف ، ولا هم سبعمائة ألف معتقل منذ احتلال باقي فلسطين عام 1967 ، بل هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ، وصانعي تاريخ رائع وتجارب مميزة ، ويعيشون في ظروف قاسية لا إنسانية ، والسابقين منهم لا زالوا يعانون من أمراض وآثار نفسية ورثوها عن السجون.

 وللأسرى قصص وحكايات طويلة ، وإن خُطت على ورق ستملأ عشرات المجلدات  ، فلكل أسير منهم أم لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص ، و أشقاء فرقتهم الأسلاك الشائكة ومزقت أوصالهم جدران السجون ، وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم ، وللأسرى أطفالاً تُركوا دون أن يستمتعوا  بحنان آبائهم ودفء أحضانهم ، وكبروا واعتقلوا ليلتقي الآباء الأسرى بأبنائهم خلف القضبان ، كما هي حالة الأسير أحمد أبو السعود الذي ترك ابنه طفلاً ليلتقيه بعد عشرين عاماً في الأسر. 

وبالرغم من قسوة السجن والسجان ، استطاع الأسرى أن  يشكلوا نموذجاً يُحتذى ، فشيدوا مجتمعاً راقياً ، وجسدوا الوحدة الوطنية بأروع صورها ،  وحلموا جميعاً بالإنعتاق من الأسر ، حلموا أن يشكلوا جسوراً  لبناء الوطن كما كانوا وقوداً للثورة ، واليوم بات حلمهم وحلمنا الحفاظ على تماسك مجتمعهم ، وصون وحدتهم الداخلية من " المعايير الإسرائيلية " ، فبالأمس القريب عزلت أسرى القدس في أقسام خاصة ، وبالأمس فصلت ما بين أسرى فتح وحماس ، واليوم تكرس هذا الانفصال والتمزق في قائمة المنوي الإفراج عنهم .

قراءة سريعة لقائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم

   وأول أمس أعلنت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية قائمة تضم ( 256 أسير فلسطيني ) وأُعدت من طرف واحد ووفقاً للمعايير الإسرائيلية ، وتنوي الإفراج عنهم كبادرة " حسن نية "

   وفي الوقت الذي نرحب فيه بالإفراج عن أي أسير مهما كان انتمائه السياسي أو مكان سكناه ، محكوماً كان أو موقوفاً أو معتقلاً إدارياً ، متبقي له يوم واحد أو عشرات السنين ، تحرر بموجب صفقة تبادل أسرى أو في إطار العملية السلمية أو بانتهاء فترة محكوميته أو توقيفه ، أو في إطار بوادر " حسن النية " ، لأننا نؤمن بأن تحرره وضع حد لمعاناته داخل الأسر ، وأن حقه الطبيعي كإنسان أن ينعم بالحرية بين شعبه وأهله ، لكننا في الوقت ذاته  نتألم لبقاء الآلاف من أبناء شعبنا خلف القضبان .

     ومع كل الاحترام للصور السعيدة المؤثرة التي سنشاهدها غداً  حينما نرى الأسرى المفرج عنهم يُقَبِلون تراب الوطن ويعانقون أطفالهم وذويهم وأحبتهم ، فإننا وللأسف الشديد سنرى بالمقابل آلاف الصور لأمهات وأطفال يذرفون الدموع حسرة وحزناً ، لأنم لم يرُ أحبائهم  من بين المحررين ، وهناك صور مؤلمة لم نراها ولن تنقلها وسائل الإعلام ، لكننا نشعر بها ونتخيلها لأننا عشناها من قبل ، وهي صور آلاف الأسرى داخل الأسر .

  وفي قراءة سريعة لقائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم ، سنجد وبكل سهولة بأن جميعهم اعتقلوا خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت بتاريخ 28 سبتمبر 2000 ، بمعنى خلت القائمة من الأسرى القدامى الذين أمضوا سنوات طويلة أو ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً،  باستثناء الأسير مهند جرادات المعتقل منذ 24 سبتمبر 1989 والمحكوم عليه بالسجن 20 عاماً ، ومتبقي له 26 شهراً فقط.

كما خلت القائمة من القيادات السياسية ، باستثناء الرفيق القائد عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية تحرير فلسطين  ، وكان قد أعتقل ملوح بتاريخ 16/2/2002 وحكم عليه بالسجن 7 سنوات .

  ولم تشمل القائمة أي من النواب الحاليين المنتخبين والوزراء في الحكومات السابقة وعددهم ( 45 ) وكانوا قد اختطفوا من بيوتهم وأماكن عملهم.

كما لوحظ أيضاً أن القائمة شملت فقط أسير واحد متبقي له 8 سنوات ، وآخر متبقي له 7 سنوات ، وأسيرين متبقي لهما 6 سنوات ، والباقي متبقي لهم أقل من خمس سنوات ، لكن الغالبية العظمى متبقي لهم أقل من عامين ، كما لوحظ أن 73 % منهم كانوا قد اعتقلوا خلال الثلاث سنوات الأخيرة .

والأدهى من ذلك أن القائمة لم تتضمن  أي أسير من القدس ولا من المناطق التي احتلت عام 1948 ، وخلت من الأسرى المرضى الذين  يعانون من أمراض مزمنة أو عاهات مستديمة ، و كبار السن والأطفال ، في حين شملت 6 أسيرات فقط من أصل ( 115 أسيرة ) .

وبالرغم من ذلك وكما قلنا آنفاً نرحب بالإفراج عن أي أسير وعلينا أن نعد الإحتفالات لإستقبالهم ونبرق لهم خالص تحياتنا وأصدق تهانينا ، ونثمن عالياً كل  الجهود التي بُذلت و تبذل من أجل الإفراج عن الأسرى ، وبهذا الصدد ندعو سيادة الرئيس محمود عباس " أبو مازن " لبذل أقصى الجهود من أجل تفعيل اللجنة المشتركة الخاصة بالأسرى وفقاً لتفاهمات شرم الشيخ عام 2005 ، لتحرير المزيد من الأسرى ولتغيير المعايير الإسرائيلية التي ميزت ما بين الأسرى ومزقت وحدتهم ، إلى فئات وتصنيفات مختلفة وفقاً للتهم التي حوكموا عليها ، والانتماء السياسي ومكان السكن ..الخ .

وفي السياق ذاته ولتكامل الأدوار ندعو آسري الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " لتحطيم المعايير الإسرائيلية والتمسك بالإفراج عن الأسرى القدامى وخاصة الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً وعددهم ( 65 أسير ) .

    وبالتالي المطلوب توحيد كافة الجهود لإعادة الاعتبار لقضية الأسرى، وأن نعيد لهم وحدتهم وننهي معاناتهم وننتزع حقهم في الحرية و العودة لبيوتهم وعائلاتهم وشعبهم دون قيد أو شرط أو تمييز.