بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه

مَن يوقف تعذيب الأسرى الفلسطينيين ويساند الضحايا منهم ؟؟

 

بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

26 حزيران 2007

   التعذيب هو "  أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث ، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه ، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها " .

هكذا عرَّفته اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدرت في العاشر من كانون أول / ديسمبر عام 1984 ، ودخلت حيز التنفيذ الفعلي في السادس والعشرون من حزيران/ يونيه 1987 ، وهو اليوم الذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1997، كيوم عالمي تُحييه و تحتفل به ، ومعها كافة المنظمات والمؤسسات التي تعنى بالأسرى وبحقوق الإنسان ، باعتباره يوماً لتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب ، والقضاء عليه ، ومساندة ضحاياه وتأهيلهم ، وقبل ذلك بعشرات السنين وُضِعَت العديد من المواثيق الدولية التي حَرمت التعذيب كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والذي نص في مادته الخامسة على تحريم التعذيب ، واتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب ، والأخرى المتعلقة بمعاملة الأشخاص المدنيين وقت الحرب ، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 منع التعذيب في مادته السابعة ، وإعلان طوكيو 1975 ، واتفاقية حقوق الطفل 1990 ، والكثير من المواثيق الدولية الأخرى التي حرمت التعذيب واعتبرته جريمة إنسانية .

   ومجمل تلك النصوص لم تُفِد الشعب الفلسطيني إطلاقاً ، ولم تُنصف أسراه ، وبقيت حبراً على ورق ، كما أنها لم تضع حداً لتعذيب أبنائه الأسرى بمختلف أعمارهم وأجناسهم ، أطفال وفتيات ، شيوخ ونساء ، لأن الحماية الدولية الحقيقية والفعلية لهذه النصوص بقيت غائبة ، وبالتالي غُيب معها الرادع الحقيقي لمن ينتهكها ولا يلتزم بها ، ولهذا فإن ممارسي التعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي تمادوا في تعذيبهم للأسرى ، وضحاياهم من الفلسطينيين والعرب لم يجدوا مَن يساندهم ، أو يعمل للحد من ممارسته ضدهم ، أو ملاحقة مجرميه وممارسيه .

التعذيب بدأ مع بداية الإحتلال ويعتبر جريمة حرب

   لقد بدأ التعذيب في السجون  والمعتقلات الإسرائيلية مع بدايات الإحتلال ، ومستمر لغاية يومنا هذا ، رغم صدور تلك الإتفاقيات وتشكيل وقيام الكثير من مؤسسات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب وتأهيل ضحاياه في العالم ، بل صار بوتائر متصاعدة ومورس على نطاق واسع بحق الأسرى والمعتقلين وبأشكال عدة ، وشكَّل نهجاً يمارس بشكل مؤسساتي مبرمج  على مدار اللحظة ، ويعتبر جزءاً  لا يتجزأ من معاملة الأسرى اليومية ، وبالتالي ليس هناك من شخص مرَّ بتجربة الإعتقال في سجون الإحتلال الإسرائيلية دون أن يكون قد مرَّ بتجربة التعذيب ، أو تعرض لأحد أشكاله المختلفة التي تجاوزت الثمانون شكلاً منها الجسدية وأخرى النفسية ، و في الغالب يتم المزج بينهما ، ومن تلك الأشكال الضرب المبرح وهو الأكثر شيوعاً ، والشبح و الهز العنيف، تكسير الضـلوع ، وضع كيس نتن  مبلول بالماء أو أكثر من كيس على الرأس ، الحشر داخل ثلاجة لعدة أيام ، الضرب على الخصيتين ، التعري والتحرش الجنسي والتهديد بالإغتصاب أو الإغتصاب الفعلي، تعرية المعتقل وإدخال أنبوب أو عيدان ثقاب في الأعضاء التناسلية ، الحرمان من النوم والطعام والشـراب ، التعريض للبرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة والإعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص ، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح ، العزل الإنفرادي ، الصعك بالكهرباء ، الإهانات والتهديد بالموت ، إيذاء العائلة واعتقال أفرادها رجال ونساء ، بالإضافة للمعاملة القاسية والإستفزازية والحرمان من الزيارات والإهمال الطبي ... وإلخ .

   والتعذيب لا يهدف كما هو معلن إلى انتزاع الإعترافات من المعتقل فحسب ، بل يهدف إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية و تدمير الإنسان جسداً و إرادةً وروحاً معنوية ، وتحطيم شخصيته وتغيير سلوكه ونمط تفكيره ليصبح عالة على أسرته ومجتمعه ، كما وأنه من الخطأ الفادح الإعتقاد بأن التعذيب يمارس فقط في أقبية التحقيق ، بل أنه يبدأ منذ لحظة الإعتقال ومروراً بفترة الإعتقال قصيرة أو طويلة وليس إنتهاءاً بلحظة الإفراج ، لأن آثاره تستمر إلى ما بعد ذلك بسنوات .

   والتعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي لا يمكن وصفه ووصف فظاعة بشاعته وإجرام ممارسيه ، ولا يشعر به إلاَّ من من ذاق مرارته ، و ليس كل من نجا من التعذيب يمكنه الحديث عما تعرض له ، ولكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له ، وهناك الكثير ممن يمتلكون الجرأة للحديث عما تعرضوا له ولكن لم يجدوا آذاناً صاغية  .

   ولهذا لم يتفاجئ الأسرى الفلسطينيين من الصور التي نشرت حول تعذيب الأسرى في سجن أبوغريب بالعراق ومن ممارسات جنود الإحتلال وهم يتلذذون بتعرية الأسرى وعذاباتهم ويضحكون لإلتقاط الصور التذكارية ، لأنهم تعرضوا لمثيلاتها وأحياناً لأبشع منها  منذ عقود من الزمن في سجون الإحتلال الإسرائيلي .

 

آثاره تمتد إلى ما بعد التحرر

أثار التعذيب بالغة الخطورة ، ويمتد تأثيرها لسنوات وعقود وأجيال ، ولا يقتصر هذا التأثير على المعتقلين فحسب ، وإنما يمتد ليشمل أسرهم وأطفالهم ، آبائهم وأمهاتهم ، وحتى أقربائهم و دائرة الأصدقاء والجيران .

وللتعذيب ذكرياته الأليمة ، وتعتبر من التجارب المؤلمة والقاسية في حياة الإنسان ، و تبقى راسخة في شريط ذكرياته وتلاحقه أينما ذهب  ، وكلما تذكرها أو تذكر جزءاً منها كلما ازداد معاناةً ، و نما لديه شعور الثأر و الإنتقام .

    فأيام وشهور وسنين الأسر، لا يمكن أن تمر دون أن  تترك آثارها النفسية والجسدية على الأسرى وذويهم ، ولا زال هناك الآلاف من الأسرى السابقين يعانون من أمراض مختلفة ومزمنة ورثوها عن سجون الإحتلال ، ويجدون صعوبة في التكيف ، ويواجهون الكثير من الصعوبات في العودة إلى الحياة الطبيعية ، كما ويعانون من مشاكل جنسية وصحية ونفسية مختلفة ، وكذلك من مشاكل اقتصادية تنعكس سلباً على نفسية الأسير المحرر ، وهؤلاء يحتاجون لرعاية ومساندة خاصة بعد التحرر ، والمئات منهم توفوا نتيجة لذلك ومنهم الشهداء فايز بدوي من غزة واستشهد بتاريخ 17/2/1980 ، وليد الغول من مخيم الشاطئ واستشهد بتاريخ 14/12/1999 ، هايل أبو زيد من هضبة الجولان المحتلة و استشهد بتاريخ 7/7/2005 ، وعبد الرحيم عراقي من الطيرة واستشهد بتاريخ 20/3/2006 ،  و شيخ المعتقلين " أبو رفعت" محمد رجا نعيرات من بلدة ميثلون شرق جنين واستشهد بتاريخ 12/1/2007 ، ومراد أبو ساكوت من الخليل واستشهد 13/1/2007 في أحد المستشفيات في الأردن ، والقافلة تطول وتطول ، و لازال منهم الآلاف ينتظرون ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) صدق الله العظيم

دولة الإحتلال هي الوحيدة في العالم التي شرَّعت التعذيب

   التعذيب محظور ومحرم دولياً بكل أشكاله الجسدية والنفسية ، إلاَّ أن دولة الإحتلال الإسرائيلي تتجاوز هذا الحظر علانيةً ، وتعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي شرَّعت التعذيب في مؤسساتها الأمنية ومنحته الغطاء القانوني .

ولم تقتصر ممارسة التعذيب على المحققين والسجانين ، بل انضم إليهم الأطباء والممرضين  أيضاً حيث يساعدون أولئك بشكل مباشر أو غير مباشر .

وتعتبر توصيات لجنة لنداو ، التي أقرتها الكنيست في نوفمبر عام 1987 ، هي أول من وضع الأساس لقانون فعلي  يسمح بتعذيب الأسرى وشكل حماية لرجال المخابرات.

 وبعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول قتل المعتقل عبد الصمد حريزات في 25/4/1995 في أروقة مركز تحقيق المسكوبية بالقدس ، نتيجة الهز العنيف ، أصدرت ما يسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية عدة قرارات خلال العام 1996 سمحت بموجبها لمحققي أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام الضغط الجسدي المعتدل ، وإذا كان المحقق على يقين بأن المعتقل يخفي معلومات خطيرة من شأن  الكشف عنها حماية أمن الدولة والتي درجت الأجهزة الأمنية والقضائية على تسميتها بالقنبلة الموقوتة ، فمن حق المحقق أن يستخدم الضغط الجسدي المعزز وأسلوب الهز العنيف ضد المعتقلين أثناء استجوابهم ، شريطة أن يحصل المحقق على إذن من مسؤوليه وصولا إلى رئيس الشاباك إذا اضطر إلى استخدام العنف الشديد الأكثر من معتدل .

وبعد جهود بُذلت من مؤسسات حقوقية وإنسانية أصدرت المحكمة العليا " الإسرائيلية " في التاسع من أيلول عام 1999 م قرارا منعت بموجبه استخدام الوسائل البدنية القاسية ضد المعتقلين ولكن هذا القرار بقى شكلياً ولم يترجم فعلياً وبالتالي لم يؤدِ الى إلغاء التعذيب أو الحد منه ، بل ابتُدعت أساليب جديدة .

 

" الشاباك " يمارس التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين بأشكال جديدة ومختلفة

    ذكر اتحاد مناهضة التعذيب الإسرائيلي في نوفمبر الماضي ، أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي " الشاباك "، يقوم بتعذيب المعتقلين بأشكال جديدة ومختلفة بدءاً من تعليق المعتقلين في الهواء، وهم مكبلي الأيدي والأرجل ومروراً باقتلاع الشعر من اللحى، وانتهاءً بالاغتصاب وإدخال أجسام مختلفة إلى جسد الأسير من خلال فتحة الشرج .

ويستند الاتحاد في دعواه، إلى العشرات من الشكاوي التي قدمها معتقلين فلسطينيين ، مشيراً إلى أن المكلف بالتحقيق في تلك الشكاوى هو أحد رجال " الشاباك "، الذي يعمل لصالح النيابة العامة، والذي ادعى بعد دراسة جميع الشكاوى المقدمة، أن ما جرى شيء طبيعي وليس له أي أساس قانوني  يستدعي فتح ملف تحقيق جنائي ضد محققي "الشاباك" ،

وأشارت صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية في تلك الفترة ، إلى أن الإتحاد  والعديد من منظمات حقوق الإنسان توجهوا ، للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، مطالبين بوقف تعذيب المعتقلين، إلا أن مزوز، كما هو الحال في "الشاباك"، لم يجد ما يستدعي فتح ملف تحقيق جنائي ضد محققي "الشاباك" في الشكاوى المقدمة.

وهذا يعني أنه لن تكون هناك إدانة للمحققين في جميع الحالات، وبالتالي غياب المحاسبة والرادع الحقيقي ، و يؤكد منحهم الغطاء القانوني والحصانة القضائية مما يدفعهم للتمادي في ممارساتهم  .

 

السجانين الإسرائيليين ، هم أناس مجردين من الضمير الإنساني

    السجانين الإسرائيليين ، هم أناس مجردين من الضمير الإنساني ومن كافة المشاعر الإنسانية والأخلاقية ، وهم عصبيون وليسوا أصحاء نفسياً ، ويعتبرون أن كل معتقل هو مشروع قنبلة موقوتة وهو عدو لهم ، وبالتالي يجيزون لأنفسهم ممارسة كل الأساليب الدموية واللاإنسانية ، ويسعون دائماً لإبتكار أبشع الأساليب لإلحاق الألم والأذى بالمعتقلين ، وأحياناً يمارسون ذلك لمجرد التسلية والإستمتاع والتباهي فيما بينهم ، ويضحكون ويبتسمون وهم يراقبون عذاب وآلام المعتقلين ، وما يساعدهم ويشجعهم على ذلك هو غياب الملاحقة القانونية وعدم تقديمهم للعدالة وشعورهم بأنهم لن يحاسبوا على أفعالهم هذه ، كما لم يسبق أن قدم أي سجان أو محقق للمحاكمة على جرائم اقترفها داخل السجون ، بل بالعكس هناك من المحققيين مَن تمت ترقيتهم " تقديراً " لممارساتهم مع المعتقلين ، وهناك قانون يمنح الشرعية لممارساتهم ، ومن خلفه الجمهور الإسرائيلي المؤيد لهذا التعذيب ، وهذا ما يشجعهم ويشجع آخرين على الإستمرار في التعذيب.

فحياة الأسير الفلسطيني عموماً هبطت عند المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بما فيها السجانين والمحققين وحتى لدى المواطنين إلى أدنى مستوياتها والكل يهدف – في محاولة يائسة – إلى تحطيم نفسية الأسير وإفراغه من محتواه الوطني والنضالي .

 

دولة الإحتلال تحتل المرتبة الاولى في العالم في تأييد ممارسة التعذيب

    احتلت " اسرائيل " المرتبة الأولى في العالم من ناحية تأييد سكانها لممارسة التعذيب ضد من تسميهم بالمشتبهين بممارسة " الارهاب " وذلك في استطلاع دولي للرأي أجرته محطة الـ بي – بي- سي البريطانية .

واظهر الاستطلاع الذي شمل عينة من 27 ألف مواطن في 25 دولة مختلفة ان غالبية سكان العالم تعارض ممارسة التعذيب وحتى وان أدى الى استخلاص معلومات من شأنها انقاذ حياة أبرياء قد يسقطون في عمليات " ارهابية " حسب وصف الاستطلاع .

وفيما عارض 59 % من سكان العالم ممارسة التعذيب ضد المشتبه بهم بممارسة الارهاب ، أيد 53 % من سكان " اسرائيل " اليهود ممارسة التعذيب ضد المعتقلين والمشتبه بهم لتحتل بذلك المرتبة الاولى في العالم.

ومن هنا نؤكد بأن دولة الإحتلال الإسرائيلي هي الأكثر إرهاباً في العالم والأقل إنسانيةً والأكثر انتهاكاً للمواثيق والإتفاقيات الدولية .

" اسرائيل " تتصدر الدول المنتجة والمصدرة لأدوات التعذيب

كما وتتصدر دولة الإحتلال الإسرائيلي الدول المنتجة والمصدرة لأدوات التعذيب ، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية نُشر قبل أكثر من عام تحت عنوان " تجار الألم " ، وجاء فيه بأنها  أكثر الدول من حيث إنتاجها لوسائل تعذيب مختلفة واستخدامها وتصديرها والاتجار بها مثل القيود ، السلاسل ، الأصفاد وكراسي التكبيل ومواد كيماوية تسبب الشلل مثل غاز الأعصاب ، الغاز المسيل للدموع والسموم المخدرة ، أجهزة الصعق الكهربائي.

تجربة شخصية عن التعذيب

  أنا شخصياً عايشت أكثر من تجربة في التحقيق ، ولكن أقساها كانت في سبتمبر عام 1989م ، حيث مكثت في أقبية التحقيق وزنازينها القذرة الرطبة المعتمة قرابة مائة (100) يوم ، تعرضت خلالها لصنوف مختلفة وبشعة من التعذيب ، ومكثت في الثلاجة أيام وليالي طوال ولم أخرج منها إلا لجولات التحقيق ، ولا زالت صور المحقق وهو يستمتع بتعذيبنا ماثلة أمامي ، كما ولا زالت أحداث استشهاد الأسيرين خالد الشيخ علي وجمال ابو شرخ في تلك الفترة جراء التعذيب عالقة في ذهني ،  وصراحة لا يمكن وصف تلك الفترة المؤلمة ومعاناتها القاسية ، فالشخص منا كان يتمنى ويفضل الموت مرة واحدة ، على أن يموت مرات ومرات .

وحينما أستذكر تلك الفترة أشعر بالألم ، وينمو لدىّ شعور الإنتقام ، ليس من المحققين فحسب ، بل مِمَن أعطوهم الأوامر ومنحوهم الشرعية والحصانة القضائية وكفلوا لهم الحماية ، وأشعر بالحزن لأن هناك الآلاف من الأسرى لا زالوا يعذبون في سجون الإحتلال ، أشعر بالخجل لأن شعبهم الفلسطيني بكافة مؤسساته وفصائله لم يتمكن من إنقاذهم ووضع حد لتعذيبهم ، كما لم يتمكن من ملاحقة مجرميه ولو مرة واحدة  .

 

شهداء الحركة الأسيرة وخاصة مِمَن استشهدوا نتيجة التعذيب

 ومنذ العام 1967 ولغاية الآن وحسب ما هو موثق لدينا قدمت الحركة الوطنية الأسيرة ( 189 ) من أبنائها شهداء ، حيث أن  37 % منهم ( 70 معتقل ) نتيجة التعذيب ، و 23.3 % منهم ( 44 معتقل )  نتيجة الإهمال الطبي ، و( 75 معتقل ) نتيجة القتل العمد والتصفية الجسدية بعد الإعتقال مباشرة ً بما نسبته 39.7 % .

وكان أول ضحايا التعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي هو الشهيد يوسف الجبالي الذي استشهد بتاريخ 4 يناير 1968م في سجن نابلس ، وتبعه العشرات ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشهداء يونس أبو سبيتان من غزة واستشهد بتاريخ 11 أكتوبر عام 1968 في سجن الصرفند ، قاسم أبو خضرة من عكا واستشهد بتاريخ 4/11/1969 ، عون سعيد العرعير من غزة واستشهد بتاريخ 10 مارس 1970 في سجن عسقلان ، محى الدين سليمان العوري من رام الله واستشهد بتاريخ 2/3/1971 في زنازين سجن رام الله ، خليل ابراهيم أبو خديجة من رام الله واستشهد بتاريخ 5 إبريل 1983 ، خضر الترزي من غزة واستشهد بتاريخ 9 فبراير 1988 في معتقل أنصار 2 ومن ثم نقل إلى مستشفى سوروكا ، نبيل مصطفى إبداح من بيت حنينا بالقدس واستشهد بتاريخ 10 أغسطس 1988 في سجن المسكوبية  ، ابراهيم ياسر المطور من الخليل واستشهد بتاريخ 21/10/1988 في معتقل الظاهرية ، جمال محمد أبو شرخ من غزة واستشهد في زنازين سجن غزة بتاريخ 3/12/1989 ، خالد كامل الشيخ علي من غزة واستشهد بتاريخ 12 ديسمبر 1989  في سجن غزة المركزي ، عطية عبد العاطي الزعانين من بيت حانون بقطاع غزة واستشهد بتاريخ  13 نوفمبر 1990 في سجن غزة المركزي ، مصطفى عبد الله العكاوي من القدس واستشهد بتاريخ  4 فبراير 1992 في سجن الخليل ،عبد الصمد سلمان حريزات من يطا بالخليل واستشهد بتاريخ 25 إبريل 1995 في معتقل المسكوبية ،  وليس آخرهم الشهيد وائل يوسف القراوي ( 34 عاماً ) من حي الطور بالقدس والذي اعتقل في التاسع من  مارس الماضي واحتجز في زنازين مركز الشرطة ومورس ضده التعذيب الشديد من خلال الضرب المبرح على كافة أنحاء جسمه حتى فارق الحياة .

 

التعذيب مورس بشكل أكثر قسوة خلال انتفاضة الأقصى

    التعذيب مُورس بشكل أكثر قسوة خلال انتفاضة الأقصى ، لكنه لم يؤدي في الوقت ذاته إلى استشهاد الكثير من المعتقلين ، وبالمقارنة ما بين الانتفاضة الأولى والثانية نجد أنه خلال سنوات الانتفاضة الأولى استشهد نتيجة التعذيب ( 23 أسير ) ،  بينما خلال نفس المدة تقريباً من انتفاضة الأقصى استشهد ( 3 أسرى فقط  )  ، ولكن هذا  لا يعني أن الضمير الغائب لدى قيادات المؤسسة الأمنية والمحققين قد عاد للحياة  ، وبالتالي اتخذوا إجراءاتهم للحد من التعذيب وخفض وتيرته ، بل بالعكس التعذيب اشتد وتصاعدت وتيرته وأصبح أكثر قسوة ، ولكن بأساليب جديدة أكثر خطورة وألماً ، لكنها لا تؤدي للموت المباشر واللحظي حتى تتجنب دولة الإحتلال المسؤولية المباشرة عن موتهم ، بل تلك الأساليب تترك آثارها السلبية الجسدية والنفسية داخل جسم الإنسان ، وقد تؤدي أحياناً لظهور أمراض مزمنة وعاهات مستديمة بعد انتهاء التحقيق مباشرة ، ولكن في أغلب الأحيان تظهر بعد فترة من الزمن ، على شكل أمراض مزمنة وخطيرة ومن ثم الوفاة .

 

جميع من استشهدوا نتيجة التعذيب هم من الذكور

التعذيب لم يستثنِ أحداً من المعتقلين ومورس بشكل قاسي مع الجميع ، ولكن لوحظ أن جميع من استشهدوا نتيجة التعذيب هم من الذكور ، ولكن هذا لا يعني أن التعذيب لم يمارس ضد الفتيات والنساء ، فالكثيرات منهن أصبن بأمراض خطيرة نتيجة لذلك ، ومنهن توفين بسبب ذلك بعد التحرر .

 أبرز التوصيات :

- ملاحقة مجرمي الحرب الذين أصدروا أوامرهم بالتعذيب المميت مع المعتقلين الفلسطينيين وممن مارسوا هذا التعذيب فعلياً في أروقة ودهاليز وزنازين ومسالخ السجون الإسرائيلية، وذلك من خلال اثارة هذه القضية في كافة المحافل العربية والإسلامية والدولية الحقوقية والإنسانية، والسعي لإنشاء محكمة دولية للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت ولا زالت ترتكب بحق الأسرى من تعذيب قهري مميت يتناقض وكافة المواثيق والإتفاقيات الدولية والتي حرمت وحظرت التعذيب، ولكنها تنتهك علانيةً وعلى مدار الساعة وتُضرب بعرض الحائط في سجون الإحتلال الإسرائيلي.

- إنشاء مركز لتوثيق كل حالات التعذيب وممن استشهدوا نتيجة لذلك، من خلال إصدارات مقروءة ومرئية ونشرها في وسائل الإعلام المختلفة، وتأهيل وعلاج ممن تعرضوا للتعذيب على مدار سني الإحتلال، وممن يعانون من عواقبه الوخيمة وأمراضه الخطيرة، من خلال إنشاء مراكز متخصصة لهذا الغرض، والعمل على رعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية وإنصافهم وتعويضهم بشكل مناسب، وضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم.

*أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى