عيون الأسرى ترنو لرؤية أهلهم

و عيون الأهل ترنو لحرية الحركة

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

3 تموز 2007

     لم تكتفِ قوات الاحتلال بأشكال الاعتقال المتبعة والمتعددة ، كالاعتقالات العشوائية ، واقتحام البيوت وتفتيشها والعبث بمحتوياتها ، واقتحام المدن والمخيمات والقرى واختطاف المواطنين الأبرياء العزل ، واقتحام المؤسسات الشرعية واختطاف القادة السياسيين والنواب المنتَخَبين والوزراء في الحكومة الفلسطينية ، بالإضافة لمداهمة المستشفيات والمؤسسات الصحية واعتقال المرضى و الجرحى  .

 

     كما لم تكتفِ باستهدافها لكل من له علاقة بالمقاومة فحسب ،  بل استهدفت كل من هو فلسطيني مسلم أم مسيحي ، وبغض النظر عن جنسه أو عمره  ، ذكر أو أنثى ، طفل أو شيخ ، وبغض النظر عن مهنته وطبيعة عمله ، مما أدى إلى ارتفاع نسبة المعتقلين في صفوف الفلسطينيين ، وحسب تقديراتنا فإن قرابة سبعمائة ألف فلسطيني منذ العام 1967 ولغاية الآن ، قد مروا بتجربة الاعتقال وذاقوا مرارتها .

معابر وحواجز للإبتزاز والإذلال

    وبالإضافة لما سبق ، فإن قوات الاحتلال استغلت أيضاً المعابر الرئيسية المختلفة لتنفيذ سياستها العدوانية منذ احتلالها لفلسطين ، وحولتها إلى كمائن لاصطياد المواطنين واعتقالهم باعتبارها المنافذ الوحيدة للسفر والخروج إلى البلدان الأخرى بهدف العلاج أو مواصلة التعليم الجامعي أو التواصل الاجتماعي أو بحثاً عن لقمة العيش ، وتلك المعابر كانت سبباً رئيسياً في اعتقال آلاف المواطنين، وحرمان آلاف آخرين من السفر ، وبالتالي تفككت العائلات وتشتت شملهم، وفقد الكثير منهم لقمة العيش أو حقه في العلاج أو حقه في أداء فريضة الحج .

 

    وفي كثير من الأحيان استغلت هذا الوضع لابتزاز المواطنين الفلسطينيين المسافرين ومساومتهم ، مابين الإدلاء بمعلومات عن إخوانهم أو أقرباء وأصدقاء لهم ، أو التعامل والتخابر معهم ، مقابل السماح لهم بالسفر ومنحهم حرية الحركة ، مما أدى بطبيعة الحال إلى حرمان الغالبية العظمى منهم من استكمال تعليمهم أو فقدان وظائفهم أو الالتقاء بأقرباء لهم من الدرجة الأولى .

    وداخل فلسطين لم يختلف الحال كثيراً ، فعقلية الاحتلال هي واحدة من حيث الجوهر ، وما يُطبق في المعابر الحدودية ، يندرج أيضاً على المعابر الداخلية الرئيسية كمعبر إيرز مثلاً والذي يعتبر المنفذ الوحيد للانتقال من قطاع غزة إلى باقي المناطق الفلسطينية للعمل والتعليم والتجارة والعلاج ، كما أنه الممر الوحيد لآلاف العمال للتوجه لأماكن عملهم في " إسرائيل " الذين فقدوا مصدر رزقهم ، ولم يسمح سوى لأقلية قليلة منهم فقط بالعمل داخل " إسرائيل " .

والمعابر التجارية المختلفة التي تسيطر عليها بالكامل دولة الإحتلال ، فهي الأخرى استخدمت للتضييق على المواطنين وابتزاز التجار ، فتم تقييد تصدير البضائع واستيرادها ، وفي بعض الأحيان تم إيقافها بصورة تامة ولفترات طويلة ، وفي أحيان أخرى تم تحديد ما يسمح به ، وتلك القيود التي فرضت على حركة البضائع والعمال أدت بدون أدنى شك إلى ركود اقتصادي عميق وتدني حاد في مستوى الحياة، كما وألحقت  الضرر على العمل والعمال و ارتفعت معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة بنسبة كبيرة .

والأمر ليس أحسن حالاً بالنسبة لمواطني الضفة الغربية الذين يُجبروا على الحصول على تصاريح دخول لـ " إسرائيل " ، وهنا يتم مساومة هؤلاء على لقمة العيش ، وكثير من المواطنين وقعوا ضحايا لذلك .

زيارات الأهل نادرة

      ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى بتاريخ 28 سبتمبر 2000 ، انتشرت الحواجز العسكرية بكثافة على الطرقات ومداخل المخيمات والمدن وفاق عددها المئات فمزقت أوصال الوطن ، وأصبح الوطن أوطان ، وتحولت  تلك الحواجز إلى أمكنة لإذلال المواطنين وامتهان كرامتهم وإذلالهم وتعذيبهم واعتقالهم ، لاسيما في الضفة الغربية ، بينما قطاع غزة تحول إلى سجن كبير ، ويخضع لحصار وطوق أمني وعزل تام عن العالم الخارجي ، منذ سنوات ، ويخضع لقيود قاسية على حرية الحركة ، ومواطنيه يعيشون بداخله في ظروف صعبة للغاية ، كما تم حظر دخول سكان القطاع إلى المناطق التي احتلت عام 1948 لغرض الزيارات العائلية ، كما طرأ تقليص للزيارات العائلية التي يقوم بها الفلسطينيون من المناطق التي احتلت عام 1948  إلى غزة إلى الحد الأدنى ، وفي هذا الإطار تحول الحق في حرية الحركة والتنقل والعلاج والعمل والتواصل الاجتماعي إلى " لفتات إنسانية " تقدمها حكومة الاحتلال.

 

     وإذا كان هذا هو الحال للمواطن الفلسطيني العادي ، فإن المعاناة تتفاقم وتتضاعف بالنسبة لأهالي الأسرى ، فالطوق الأمني المفروض بشكل متواصل على قطاع غزة ، والحواجز المنتشرة بالمئات في الضفة الغربية ، أدت إلى تفاقم معاناتهم ، حيث يشترط عليهم الحصول على تصاريح أمنية مسبقة لتجاوزها ، على الرغم من أن زيارات الأهل ومنذ العام 1996 ، ووفقاً لقانون إسرائيلي مجحف اقتصرت فقط على الفئة الأولى مثل الأب و الأم والزوجة ، بالإضافة للأبناء والأشقاء من هم أقل من 16 عاماً ، وبالتالي حَرم هذا القانون الأسير من رؤية أقربائه وأصدقائه وجيرانه وأبنائه وأشقائه الذين تجاوزوا العمر المسموح به ،  وحتى مَن يسمح لهم وفقاً لذاك القانون ، ومن  يُعتبرون من الفئة الأولى يمنعون في كثير من الأحيان من الزيارة تحت حجج أمنية واهية ، بينهم شيوخ وأمهات وفتيات ، والأكثر ألماً من ذلك هو أن  العديد من أطفال الأسرى منعوا من الزيارات وبالتالي حُرِموا من رؤية آبائهم ، و كبروا بعيداً عن عيون آبائهم ، ويتعرضون للإعتقال ويزج بهم في السجون ، ليأتي اليوم الذي يلتقون فيه بآبائهم ويتعانقوا بلا قضبان بعد سنوات من الفراق ، ولكن كأسرى خلف القضبان وبحراسة السجان  .

غالبية ذوي الأسرى محرومون من زيارة ابنائهم

     وفي السياق ذاته ، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعبر ما يسمى بـ"مصلحة السجون"، منعت الآلاف من ذوي الأسرى بشكل جماعي وفرادى من زيارة أبنائهم ، أو معاقبة الأسرى  من زيارة ذويهم ، ووفقاً للتقديرات فإن قرابة  65 % من ذوي الأسرى محرومون من زيارة أبنائهم فرادى وجماعي ، وهناك من الأسرى من قضى فترة اعتقاله التي امتدت لشهور أو لسنوات دون أن يتمكن من زيارة أهله ولو مرة واحدة ، وهناك القليل ممن يحالفه الحظ ويزور أهله مرة كل بضعة شهور  .

     وهذا يتناقض وكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف التي تكفل للأسير الحق في الإلتقاء بذويه والاطمئنان عليهم بشكل دوري ، وتنص المادة 116 من الفصل الثامن من هذه الإتفاقية على أن "  يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه، وعلى الأخص أقاربه على فترات منتظمة، وبقدر ما يمكن من التواتر ، ويسمح للمعتقلين بزيارة عائلاتهم في الحالات العاجلة بقدر الإستطاعة ، وبخاصة في حالة وفاة أحد الأقارب أو مرضه بمرض خطير " .

أهالي الأسرى يتعرضون للتعذيب والإذلال

      وحتى في ظل هذا القانون المجحف والمشهد الأليم  ، فإن الزيارات لم ينتظم جدولها ، وفي الأغلب تكون متباعدة وكل بضعة شهور ، وإن قدر لها أن تتم ، فإنها تكون ممزوجة بالمضايقات والاستفزازات ،  بدءاً من الخروج من البيت وحتى العودة له ، ورحلة المعاناة هذه تستغرق نهاراً كاملاً من مشرق الشمس حتى مغربها ، ويتخللها سفر طويل وشاق ، وتخطي نقاط وحدود عسكرية كثيرة ، وعذاب جسدي ومعنوي ، من أجل الوصول إلى السجون والمعتقلات البعيدة جداً عن أماكن سكناهم ، وإن وصلوا  فإنهم يضطرون للانتظار طويلاً أمام بوابة السجن قبل أن يسمح لهم بزيارة أبنائهم ، وبعدها يتعرضون لمعاملة سيئة جداً وتفتيشات مذلة وعارية أحياناً من قبل إدارة السجن ، وتتم الزيارة لبضعة دقائق فقط ، ويفصل ما بين الأسير ومن سُمح بزيارته من أهله عشرات السنتيمترات وبينهما حاجز زجاجي يشوش على الرؤية ويحجب الصوت ، وبالتالي  يتم الحديث بينهما عبر سماعة هاتف وبصعوبة بالغة.

   وفي أحياناً كثيرة يعود الأهالي إلى بيوتهم دون أن يتمكنوا من زيارة أبنائهم ، لأسباب عدة و ذرائع كثيرة تسوقها إدارة السجن ، فمثلاً تبلغهم بأن الأسرى يرفضون الخروج لزيارتهم ، أو أن مجموعة من الأسرى أو أحدهم معاقب من الزيارة ، أو أنهم نقلوا إلى ما يسمى مستشفى الرملة أو إلى سجن آخر وقد يكون هذا حصل بالفعل قبل موعد الزيارة بفترة وجيزة ومن ثم يُعَادوا  بعد الزيارة  .

 

الفلسطينيون يحلمون بالسيطرة على المعابر وإزالة الحواجز

فزيارات الأسرى نادرة ، والمعابر للابتزاز ، والحواجز للإذلال ، والفلسطينيون يحلمون بالسيطرة على المعابر ، وإزالة الحواجز والتحرك بكل حرية ما بين المدن والقرى الفلسطينية ، أو ما بين فلسطين والدول الشقيقة والصديقة ، وقلوب أهالي الأسرى ترنو للفرج القريب عن أبنائهم ، أما الأسرى فعيونهم ترنو لرؤية أهلهم وأحبائهم  .  

 

والسؤال متى يمكن لدولة الإحتلال الإسرائيلي أن تجبر على احترام حقوق الأسير الفلسطيني في استقبال زائريه ورؤية أحبائه ؟؟ وأين دور اللجنة الدولية للصيب الأحمر ؟؟

  فللمعتقل الحق في استقبال زائريه وعلى الأخص أهله وأقربائه، كما للأهل الحق أيضاً في رؤية ابنهم المعتقل والالتقاء به والاطمئنان عليه، وهذا الحق كفلته كل المواثيق والاتفاقيات الدولية لكلا الطرفين، وسلبه من أي طرف، يعني جدلياً سلبه من الطرف الآخر.

* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى