"الافراج الاداري" و"المشروط" واستثناء الأسرى الفلسطينيين

 

بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة

أسير محرر وباحث مختص بشؤون الأسرى

29-12-2018

بعد قبولها الالتماس المقدم قي قضية الاكتظاظ في السجون من قبل جمعيات حقوقية اسرائيلية، اصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في الثالث عشر من حزيران/يونيو/2017، قرارا يقضي بزيادة المساحة المخصصة لكل أسير في السجون الإسرائيليةن وقالت المحكمة حينها أن قرارها سيدخل حيز التنفيذ تدريجيا وفي غضون عام ونصف العام.

إدارة السجون ولأجل تنفيذ القرار المُلْزِم قدمت للمحكمة مخطط شامل يتضمن بناء أقسام جديدة وإضافة خيام أخرى في معتقل النقب الصحراوي، وتوسيع "الافراجات المبكرة" عبر تفعيل الإفراج الإداري وما يعرف بـ "المنهلي"(שחרור מנהלי) والذي وجد -حسب قانون السجون- لمعالجة الاكتظاظ وتنظيم سعة السجون والمعتقلات ومراكز الشرطة ويُفعَّل حسب الحاجة ووفقا لما يحدده وزير الأمن الداخلي ولجنة الداخلية في الكنيست، أو اللجوء الى مضاعفة تخفيض مدة الأحكام ومضاعفة تقصير مدة الحكم لزيادة عدد المفرج عنهم عبر ما يُسمى الافراج الإداري الموسع (מנאלי קאפול).

وهنا برزت آراء كثيرة وتعالت أصوات عديدة تُعارض اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ضمن خطة ادارة السجون، بل وطالبت بحرمانهم من أية تسهيلات تتعلق بـ "الافراج المبكر"، ودعت الى تصنيف الفئات التي يمكن أن تستفيد من "الافراج الإداري" تنفيذا للأمر القضائي. وبالفعل أجريت المصادقة على تعديل المادة رقم  68Aمن قانون السجون "النسخة الجديدة" لسنة 1971(تعديل رقم 54 والحكم المؤقت أو أمر الساعة) بعد أن مرّ بالقراءة الثانية والثالثة بتاريخ 5 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، ونشر واصبح ساري المفعول يوم 7نوفمبر.

 هذا التعديل يستثني الأسرى الفلسطينيين "الأمنيين" من الإفراج الإداري "المنهلي" الموسع، والذي يعني مضاعفة تقصير مدة الحكم بشكل لافت،  وهذا ما تم بالفعل بتاريخ 20 كانون أول/ ديسمبر الجاري حين تم الافراج عن (1000) سجين، وجاء ذلك سعيا لتطبيق قرار المحكمة العليا قبل نهاية العام لتخفيف الازدحام في السجون واعطاء مساحة حياة أوسع لكل أسير.

مع الإشارة إلى ان التعديل الجديد وما بات يُعرف بـ"الإفراج الإداري الموسع"، لم يُلغي"المنهلي القائم"، والذي من الممكن تفعيله أو تجميده وإلغائه مستقبلا بالنسبة للفلسطينيين وفقا لمزاجية ادارة السجون والجهات السياسية والأمنية. وهنا علينا ان نفرق ما بين "القائم" و"الموسع" وعلى سبيل المثال:

"الموسع" يعني تخفيض 27 اسبوعاً لمن أمضى أكثر من 42 شهرا وحتى 48شهرا، فيما "القائم"، المُعطل والذي يُفعل أحيانا، يعني تخفيض 9 أسابيع فقط لهؤلاء). لدينا جدول تفصيلي بذلك.

 

أما الإفراج المشروط "الشليش"(שחרור מותנה) والذي يعني منح الأسير تخفيض ثلث مدة الحكم بشروط، فهو شيء مختلف، وهو ليس مرتبطاً بقرار المحكمة العليا، وانما جاء لاستعراض عضلات اليمين المتطرف تجاه الأسرى، حيث قدمت عضو الكنيست اليمينية المتطرفة "عنات بيركو" من حزب الليكود مشروع قانون في آيار/مايو 2018، يهدف الى تعديل قانون السجون بحيث يُحرم بموجبه الأسرى الفلسطينيين من الإفراج المشروط "الشليش"، أي تخفيض ثلث مدة الحكم، استنادا للقانون الإسرائيلي "مكافحة الارهاب لعام 2016"، بدواعي أنهم يشكلون خطراً على أمن "إسرائيل" ومواطنيها  ويجب أن يقضوا فترات محكومياتهم كاملة

وقد مرّ المشروع بالقراءتين الثانية والثالثة، وتمت المصادقة عليه من قبل الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 25 ديسمبر الجاري، وأصبح قانوناً ملزماً للجهات المعنية كافة، حيث ألغت الكنيست امكانية تخفيض ثلث محكومية الأسرى الفلسطينيين "الأمنيين" الذين أدينوا في أربع حالات:

1- القتل

2-محاولة القتل

3-التسبب بالموت

4-محاولة التسبب بالموت

بمعنى هناك فرق فيما له علاقة بـ "الافراج المبكر"، فيما بين الافراج الإداري "المنهلي" القائم والذي بقيّ كما هو، وما بين المُعدل "الافراج الإداري الموسع" لأجل تنفيذ قرار المحكمة العليا، وما بين الافراج المشروط "الشليش" أي تخفيض ثلث المدة، ولكل منهما تعديلاته الخاصة على القوانين ذات الصلة.

 

وانا بصراحة لم أتفاجأ من تصرف ادارة السجون، أو المصادقة على التعديلات التي ذكرناها أعلاه على قانون السجون من قبل الكنيست الإسرائيلي فيما يتعلق بالموضوعين. هذا الكنيست الذي شرعن الانتهاكات والجرائم مرارا ومارس التمييز العنصري كثيرا من قبل. ولم أكن أتوقع غير ذلك في ظل المعطيات القائمة وتوجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والمزيد من التطرف تجاه الآخر.

ان المقدمات المتمثلة بمشاركة كافة مكونات النظام السياسي في دولة الاحتلال في التحريض على الأسرى الفلسطينيين ومكانتهم القانونية ومشروعية نضالهم وتشريع الجرائم بحقهم واتخاذ القرارات المجحفة لتضييق الخناق عليهم، ستقود بالتأكيد الى نتائج "شاذة"، ولربما أكثر من هذا. ولا أتوقع يوماً آتٍ أن ينتصر القضاء الإسرائيلي للأسرى الفلسطينيين ويحقق لهم العدالة الإنسانية. ومن يراهن على المحكمة العليا او الكنيست الإسرائيلي بتحسين ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين وتلبية مطالبهم الإنسانية وتوفير المساحة الكافية لكل منهم، فهو ساذج. ومن يتوقع ان حرية الأسرى يمكن ان تتحقق بقرار اسرائيلي فهو مخطئ بكل تأكيد بل واهم.

 

ان الحق الذي لا يستند إلى قوة فعل تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون، وحرية الأسرى الفلسطينيين تُنتزع ولا توهب، وحتى تُنتزع لابد من قوة تسندها، قوة الإرادة والعزيمة، وقوة الأسرى ووحدتهم، وقوة المفاوض أو المقاوم، وما دون ذلك مجرد هراء. 

 

 ان قانون "الافراج المبكر" واستبعاد الأسرى الفلسطينيين من "الإفراج الإداري الموسع"، واستثنائهم من "الافراج المشروط"، يعزز من عنصرية الاحتلال ضد الفلسطينيين، ويزيد من صلابة الفلسطينيين وارادتهم في مواجهة الاحتلال.